ولمّا أرسينا تحت هذا الجبل صعدناه إلى هذه الرابطة، فوجدنا بها شيخا نائما، فسلّمنا عليه فاستيقظ، وأشار بردّ السلام فكلّمناه، فلم يكلّمنا وكان يحرّك رأسه فأتاه أهل المركب بطعام فأبى أن يقبله فطلبنا منه الدعاء فكان يحرّك شفتيه ولا نعلم ما يقول وعليه مرقّعة وقلنسوة لبد وليس معه ركوة ولا إبريق ولا عكّاز ولا نعل، وقال أهل المركب: إنهم ما رأوه قط بهذا الجبل.
وأقمنا تلك الليلة بساحل هذا الجبل، وصلّينا معه العصر والمغرب، وجئناه بطعام فردّه، وأقام يصلّي إلى العشاء الآخرة ثمّ أذّن وصلينا معه، وكان حسن الصوت بالقراءة مجيدا لها، ولمّا فرغ من صلاة العشاء الآخرة، أومأ إلينا بالانصراف فودّعناه وانصرفنا ونحن نعجب من أمره، ثم إني أردت الرجوع اليه لمّا انصرفنا، فلمّا دنوت منه هبته وغلب عليّ الخوف، ورجع إليّ أصحابي فانصرفت معهم وركبنا البحر ووصلنا بعد يومين إلى جزيرة الطير «١٠٠» وليست بها عمارة فأرسينا وصعدنا إليها فوجدناها ملآنة بطيور تشبه الشقاشق «١٠١» ، إلّا أنها أعظم منها وجاءت الناس ببيض تلك الطيور فطبخوها وأكلوها واصطادوا جملة من تلك الطيور فطبخوها دون ذكاة وأكلوها.
وكان يجالسني تاجر من أهل جزيرة مصيرة ساكن بظفار اسمه مسلم فرأيته يأكل معهم تلك الطيور فأنكرت ذلك عليه فاشتدّ خجله، وقال لي: ظننت أنّهم ذبحوها، وانقطع عنّي بعد ذلك من الخجل فكان لا يقربني حتى أدعو به.
وكان طعامي في تلك الأيّام بذلك المركب التمر والسمك، وكانوا يصطادون بالغدّ وو العشيّ سمكا يسمّى بالفارسية شيرماهي «١٠٢» ومعناه أسد السمك، لأن شير هو الاسد،