والمؤذن الزمزمي وبأعلى قبة زمزم يدعو له عند كل شوط على ما ذكرناه من عادته، فإذا طاف صلّى ركعتين عند الملتزم، وصلى عند المقام وتمسّح به وخرج إلى المسعى فسعى راكبا والقواد يحفون به والحرّابة «٢١٧» بين يديه ثم يسير إلى منزله. وهذا اليوم عندهم عيد من الأعياد ويلبسون فيه أحسن الثياب ويتنافسون في ذلك.
[ذكر عمرة رجب]
وأهل مكة يحتفلون لعمرة رجب الاحتفال الذي لا يعهد مثله، وهي متصلة ليلا ونهارا، وأوقات الشهر كلّه معمورة بالعبادة، وخصوصا أول يوم منه، ويوم خمسة عشر والسابع والعشرون فإنهم يستعدون لها قبل ذلك بأيام.
شاهدتهم في ليلة السابع والعشرين منه، وشوارع مكة قد غصّت بالهوادج «٢١٨» ، عليها كساء الحرير والكتان الرفيع، كل أحد يفعل بقدر استطاعته، والجمال مزينة مقلّدة بقلائد الحرير، وأستار الهوادج ضافية تكاد تمس الأرض، فهي كالقباب المضروبة ويخرجون إلى ميقات التنعيم، فتسيل أباطح مكة بتلك الهوادج، والنّيران مشعلة بجنبتي الطّريق، والشمع والمشاعل أمام الهوادج، والجبال تجيب بصداها إهلال الملبين، فترقّ النفوس وتنهمل الدموع، فإذا قضوا العمرة وطافوا بالبيت، خرجوا إلى السعي بين الصفا والمروة بعد مضيّ هزيع من الليل، والمسعى متّقد السرج غاصّ بالناس، والساعيات في هوادجهن، والمسجد الحرام يتلألأ نورا، وهم يسمون هذه العمرة بالعمرة الأكمية، لأنهم يحرمون بها من أكمة أمام مسجد عائشة رضي الله عنها بمقدار غلوة على مقربة من المسجد المنسوب إلى علي رضي الله عنه.
والأصل في هذه العمرة أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لما فرغ من بناء الكعبة المقدّسة «٢١٩» خرج ماشيا حافيا معتمرا ومعه أهل مكة وذلك في اليوم السابع