والعشرين من رجب وانتهى إلى الأكمة فأحرم منها، وجعل طريقه على ثنية الحجون إلى المعلّى من حيث دخل المسلمون يوم الفتح، فبقيت تلك العمرة سنة عند أهل مكة إلى هذا العهد.
وكان يوم عبد الله مذكورا أهدي فيه بدنا كثيرة، وأهدى أشراف مكة وأهل الاستطاعة منهم وأقاموا أياما يطعمون ويطعمون شكرا لله تعالى على ما وهبهم من التيسير والمعونة في بناء بيته الكريم على الصفة التي كان عليها في أيام الخليل صلوات الله عليه.
ثم لما قتل ابن الزبير نقض الحجّاج الكعبة وردها إلى بنائها في عهد قريش «٢٢٠» وكانوا قد اقتصروا في بنائها «٢٢١» ، وأبقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك لحدثان عهدهم بالكفر، «٢٢٢» ، ثم أراد الخليفة أبو جعفر المنصور أن يعيدها إلى بناء ابن الزبير فنهاه مالك رحمه الله عن ذلك، وقال: يا أمير المؤمنين لا تجعل البيت ملعبة للملوك، متى أراد أحدهم يغيره فعل! فتركه على حاله سدا للذريعة.
وأهل الجهات الموالية لمكة مثل بجيلة وزهران وغامد «٢٢٣» يبادرون لحضور عمرة رجب ويجلبون إلى مكة الحبوب والسمن والعسل والزبيب واللوز فترخص الأسعار بمكة ويرغد عيش أهلها وتعمّهم المرافق، ولولا أهل هذه البلاد لكان أهل مكة في شظف من العيش، ويذكر أنهم متى أقاموا ببلادهم ولم ياتوا بهذه الميرة أجدبت بلادهم ووقع الموتان في مواشيهم، ومتى أوصلوا الميرة أخصبت بلادهم وظهرت فيها البركة ونمت أموالهم فهم إذا حان وقت ميرتهم وأدركهم كسل عنها اجتمعت نساءهم فأخرجنهم! وهذا من لطائف صنع الله تعالى وعنايته ببلده الأمين.