ومن غرائب هذه المدينة عمود الرخام الهائل الذي بخارجها المسمى عندهم بعمود السواري «١٢» وهو متوسط في غابة نخل وقد امتاز عن شجراتها سموا وارتفاعا وهو قطعة واحدة محكمة النحت قد أقيم على قواعد حجارة مربعة أمثال الدكاكين العظيمة ولا تعرف كيفية وضعه هنالك. ولا يتحقق من وضعه.
قال ابن جزي: أخبرني بعض أشياخي الرحالين أن أحد الرماة بالإسكندرية صعد إلى أعلى ذلك العمود ومعه قوسه وكنانته واستقر هنالك وشاع خبره فاجتمع الجمع الغفير لمشاهدته وطال العجب منه وخفى على الناس وجه احتياله واظنه كان خائفا أو طالب حاجة فأنتج له فعله الوصول إلى قصده لغرابة ما أتى به.
وكيفية احتياله في صعوده أنه رمى بنشابة قد عقد بفوقها خيطا طويلا وعقد بطرف الخيط حبلا وثيقا. فتجاوزت النشابة أعلى العمود معترضة عليه ووقعت من الجهة الموازية للرامي فصار الخيط معترضا على أعلى العمود فجذبه حتى توسط الحبل أعلى العمود مكان الخيط فأوثقه من إحدى الجهتين في الأرض وتعلق به صاعدا من الجهة الأخرى واستقر بأعلاه وجذب الحبل واستصحب من احتمله فلم يهتد الناس لحيلته وعجبوا من شأنه.
رجع. وكان أمير الاسكندرية في عهد وصولي إليها يسمى بصلاح الدين «١٣» ، وكان فيها أيضا في ذلك العهد سلطان إفريقية المخلوع وهو زكرياء أبو يحيى بن أحمد بن أبي حفص المعروف باللّحياني «١٤» ، وأمر الملك الناصر بإنزاله بدار السلطنة من الإسكندرية، وأجرى له مائة درهم في كل يوم، وكان معه أولاده: عبد الواحد ومصري واسكندري وحاجبه أبو زكرياء بن يعقوب ووزيره أبو عبد الله ابن ياسين، وبالاسكندرية توفي اللحياني المذكور وولده الاسكندري وبقي مصري بها إلى اليوم.