يريد الانفراد بملك الهند، وأنه قد عصى وخالف، وبلغ هذا الخبر إلى قطب الدين فبادر بنفسه وقدم على غزنة ليلا ودخل على السلطان ولا علم عند الذين وشوا به إليه فلما كان بالغد قعد السلطان على سريره، واقعد أيبك تحت السرير بحيث لا يظهر، وجاء النّدماء والخواص الذين سعوا به فلما استقرّ بهم الجلوس، وسألهم السلطان عن شأن أيبك، فذكروا له: أنه عصى وخالف وقالوا: قد صحّ عندنا أنه ادّعى الملك لنفسه، فضرب السلطان سريره برجله وصفق بيديه، وقال: يا أيبك! قال: لبّيك، وخرج عليهم وسقط في أيديهم، وفزعوا إلى تقبيل الأرض، فقال لهم السلطان: قد غفرت لكم هذه الزّلّة وإياكم والعودة إلى الكلام في أيبك «٧» ، وأمره أن يعود إلى بلاد الهند فعاد إليها وفتح مدينة دهلي وسواها، واستقرّ بها الإسلام إلى هذا العهد وأقام قطب الدين بها إلى أن توفّى.
ذكر السلطان شمس الدين للمش «٨»
وضبط اسمه بفتح اللام الأولى وسكون الثانية وكسر الميم وشين معجم، وهو أول من ولي الملك بمدينة دهلي مستقلا به، وكان قبل تملّكه مملوكا للأمير قطب الدين أيبك وصاحب عسكره ونائبا عنه فلما مات قطب الدين أيبك استبد بالملك، وأخذ الناس بالبيعة فأتاه الفقهاء يقدمهم قاضي القضاة إذ ذاك وجيه الدين الكاساني، فدخلوا عليه وقعدوا بين يديه، وقعد القاضي إلى جانبه على العادة وفهم السلطان عنهم ما أرادوا أن يكلّموه به فرفع طرف البساط الذي هو قاعد عليه وأخرج لهم عقدا يتضمن عتقه، فقرأه القاضي والفقهاء وبايعوه جميعا واستقل بالملك، وكانت مدّته عشرين «٩» سنة، وكان عادلا صالحا فاضلا.
ومن مآثره أنه اشتد في رد المظالم وإنصاف المظلومين وأمر أن يلبس كلّ مظلوم ثوبا مصبوغا، وأهل الهند جميعا يلبسون البياض، فكان متى قعد للناس أو ركب فرأى أحدا عليه ثوب مصبوغ نظر في قضيته وإنصافه ممن ظلمه، ثم إنه أعيا في ذلك، فقال: إنّ بعض الناس تجري عليهم المظالم باللّيل وأريد تعجيل إنصافهم، فجعل على باب قصره أسدين