كنت يوما عند هذا السلطان أبي محمّد بن نبهان فأتته امرأة صغيرة السّن حسنة الصورة بادية الوجه فوقفت بين يديه، وقالت له يا أبا محمّد! طغى الشيطان في رأسي، فقال لها اذهبي واطردي الشيطان، فقالت له: لا أستطيع وأنا في جوارك يا أبا محمد، فقال لها: اذهبي فافعلي ما شئت، فذكر لي لمّا انصرفت عنه أن هذه ومن فعل مثل فعلها تكون في جوار السلطان وتذهب للفساد ولا يقدر أبوها ولا ذو قرابتها أن يغيروا عليها، وإن قتلوها قتلوا بها لأنّها في جوار السلطان! ثم سافرت من بلاد عمان إلى بلاد هرمز، وهرمز بلاد على ساحل البحر، وتسمّى أيضا موغ استان، وتقابلها في البحر هرمز الجديدة، وبينهما في البحر ثلاثة فراسخ «١٢٠» ، ووصلنا إلى هرمز الجديدة، وهي جزيرة مدينتها تسمى جرون، بفتح الجيم والراء وآخرها نون، وهي مدينة حسنة كبيرة لها أسواق حافلة وهي مرسى الهند والسند، ومنها تحمل سلع الهند إلى العراقين، وفارس وخراسان، وبهذه المدينة سكنى السلطان، والجزيرة التي فيها المدينة مسيرة يوم، وأكثرها سباخ وجبال ملح، وهو الملح الدّراني «١٢١» ، ومنه يصنعون الأواني للزينة، والمنارات التي يضعون السرج عليها، وطعامهم السمك والتمر المجلوب اليهم من البصرة، وعمان، ويقولون بلسانهم (خرما وماهي لوت بادشاهي)«١٢٢» معناه بالعربي:
التّمر والسمك طعام الملوك!! والماء في هذه الجزيرة له قيمة وبها عيون ماء وصهاريج مصنوعة يجتمع فيها ماء المطر، وهي على بعد من المدينة ويأتون إليها بالقرب فيملأونها ويرفعونها على ظهورهم إلى البحر ويوسقونها في القوارب ويأتون بها إلى المدينة، ورأيت من العجائب عند باب الجامع فيما بينه وبين السوق رأس سمكة كأنّه رابية، وعيناه كأنهما بابان «١٢٣» ، فترى الناس يدخلون من أحدهما ويخرجون من الأخرى!