تعديل الطرق ورصفها لأن أزقة دمشق لكلّ واحد منها رصيفان في جنبيه يمر عليهما المترجلون ويمر الرّكبان بين ذلك، ومنها أوقاف لسوى ذلك من أفعال الخير،
حكاية [المملوك الصّغير والصحفة]
مررت يوما ببعض أزقة دمشق فرأيت به مملوكا صغيرا قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصّيني وهم يسمونها الصحن، فتكسرت واجتمع عليه الناس، فقال له بعضهم:
اجمع شقفها واحملها معك لصاحب أوقاف الأواني، فجمعها وذهب الرجل معه إليه فأراه إياها، فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن، وهذا من أحسن الأعمال فإن سيد الغلام لا بدّ له أن يضربه على كسر الصحن أو ينهره، وهو أيضا ينكسر قلبه ويتغير لأجل ذلك فكان هذا الوقف جبرا للقلوب، جزى الله خيرا من تسامت همته في الخير إلى مثل هذا.
وأهل دمشق يتنافسون في عمارة المساجد والزوايا والمدارس والمشاهد، وهم يحسنون الظن بالمغاربة ويطمئنون اليهم بالأموال والأهلين والأولاد «٢٩١» ، وكلّ من انقطع بجهة من جهات دمشق لا بد أن يتأتى له وجه من المعاش من إمامة مسجد أو قراءة بمدرسة أو ملازمة مسجد يجيء إليه فيه رزقه، أو قراءة القرآن أو خدمة مشهد من المشاهد المباركة أو يكون لجملة الصوفية بالخوانق تجرى له النفقة والكسوة، فمن كان بها غريبا على خير لم يزل مصونا عن بذل وجهه محفوظا عما يزري بالمروّة، ومن كان من أهل المهنة والخدمة فله أسباب أخرى من حراسة بستان أو أمانة طاحونة أو كفالة صبيان يغدو معهم إلى التعليم ويروح، ومن أراد طلب العلم أو التفرغ للعبادة وجد الاعانة التّامة على ذلك.
ومن فضائل أهل دمشق أنه لا يفطر أحد منهم في ليالي رمضان وحده البتة، فمن كان من الأمراء والقضاة والكبراء فإنه يدعو أصحابه والفقراء يفطرون عنده، ومن كان من التجار وكبار السوقة صنع مثل ذلك، ومن كان من الضعفاء والبادية فإنهم يجتمعون كلّ ليلة في دار أحدهم أو في مسجد ويأتي كل أحد بما عنده فيفطرون جميعا.