الصورة، فإن عادة الفرارية أن يفطروا بدار السلطان، وياتي كل واحد منهم بطعامه تحمله العشرون فما فوقهنّ من جواريه، وهن عرايا! ومنها دخول النساء على السلطان عرايا غير مستترات، وتعرّي بناته. ولقد رأيت في ليلة سبع وعشرين من رمضان نحو مائة جارية خرجن بالطعام من قصره عرايا، ومعهن بنتان له ناهدان ليس عليهما ستر! ومنها جعلهم التّراب والرماد على رؤوسهم تأدبا، ومنها ما ذكرته من الأضحوكة في إنشاد الشعراء، ومنها أن كثيرا منهم يأكلون الجيف والكلاب والحمير.
ذكر سفري عن مالّي
وكان دخولي إليها في الرابع عشر لجمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين وخروجي عنها في الثاني والعشرين لمحرم سنة أربع وخمسين «٩٦» ، ورافقني تاجر يعرف بأبي بكر بن يعقوب، وقصدنا طريق ميمة «٩٧» ، وكان لي جمل أركبه لان الخيل غالية الأثمان، يساوي احدها مائة مثقال، فوصلنا إلى خليج كبير يخرج من النّيل لا يجاز إلا في المراكب وذلك الموضع كثير البعوض فلا يمر أحد به إلا باللّيل ووصلنا الخليج ثلث الليل والليل مقمر.
ذكر الخيل التي تكون بالنّيل
ولما وصلنا الخليج رأيت على ضفته ست عشرة دابّة ضخمة الخلقة، فعجبت منها وظننتها فيلة لكثرتها هنالك، ثم إني رأيتها دخلت في النهر، فقلت لأبي بكر بن يعقوب: ما هذه الدواب؟ فقال: هي خيل البحر، خرجت ترعى في البر وهي أغلظ من الخيل، ولها أعراف وأذناب ورؤوسها كرؤوس الخيل، وأرجلها كأرجل الفيلة.
ورأيت هذه الخيل مرة أخرى لما ركبنا النّيل من تنبكتو إلى كوكو، وهي تعوم في الماء وترفع رؤوسها وتنفخ، وخاف منها أهل المركب، فقربوا من البر لئلا تغرقهم، ولهم حيلة في صيدها حسنة، وذلك أن لهم رماحا مثقوبة قد جعل في ثقبها شرائط وثيقة، فيضربون الفرس منها فإن صادفت الضربة رجله أو عنقه أنفذته وجذبوه بالحبل حتى يصل إلى الساحل فيقتلونه ويأكلون لحمه ومن عظامها بالساحل كثير.
وكان نزولنا عند هذا الخليج بقرية كبيرة عليها حاكم من السودان حاج فاضل يسمى فربا «٩٨» مغا بفتح الميم والغين المعجم، وهو ممن حج مع السلطان منسى موسى لما حج.