ولقيت بها الخطيب الفقيه شمس الدين الدمشقي الحنبلي، وهو مستوطنها منذ سنين، وله بها أولاد، وهو فقيه هذا السلطان وخطيبه ومسموع الكلام عنده، ودخل علينا هذا الفقيه بالزاوية فأعلمنا أن السلطان قد جاء لزيارتنا فشكرته على فعله، واستقبلت السلطان فسلّمت عليه، وجلس فسألني عن حالي، وعن مقدمي وعمّن لقيته من السلاطين، فأخبرته بذلك كلّه، وأقام ساعة ثمّ انصرف، وبعث بدابّة مسرجة وكسوة.
وانصرفنا إلى مدينة برلو، «١٣٧» وضبط اسمها بضمّ الباء الموحدة واسكان الراء وضم اللام، وهي مدينة صغيرة على تلّ تحتها خندق ولها قلعة بأعلى شاهق نزلنا منها بمدرسة فيها حسنة، وكان الحاج الذي سافر معنا يعرف مدرّسها وطلبتها ويحضر معهم الدرس، وهو، على علّاته، من الطلبة حنفيّ المذهب، ودعانا أمير هذه البلدة وهو عليّ بك بن السلطان المكرّم سليمان پادشاه ملك قصطمونية، وسنذكره، فصعدنا إليه إلى القلعة فسلّمنا عليه فرحّب بنا، وأكرمنا، وسألني عن أسفاري وحالي فأجبته عن ذلك، وأجلسني إلى جانبه، وحضر قاضيه وكاتبه الحاجب علاء الدين محمد، وهو من كبار الكتّاب وحضر الطعام فأكلنا، ثم قرأ القراء بأصوات مبكية وألحان عجيبة وانصرفنا.
وسافرنا بالغد إلى مدينة قصطمونية «١٣٨» ، وضبط اسمها بقاف مفتوح وصاد مهمل مسكن وطاء مهمل مفتوح وميم مضمومة وواو ونون مكسورة وياء آخر الحروف، وهي من أعظم المدن وأحسنها كثيرة الخيرات رخيصة الأسعار نزلنا منها بزاوية شيخ يعرف بالأطرش لثقل سمعه، ورأيت منه عجبا، وهو أن أحد الطلبة كان يكتب له في الهواء وتارة في الأرض بأصبعه «١٣٩» ، فيفهم عنه، ويجيبه، ويحكي له بذلك الحكايات فيفهمها وأقمنا بهذه المدينة نحو أربعين يوما فكنّا نشتري طابق اللحم الغنميّ السمين بدرهمين ونشتري خبزا بدرهمين فيكفينا ليومنا ونحن عشرة، ونشتري حلواء العسل بدرهمين فتكفينا أجمعين ونشتري جوزا بدرهم وقسطلا بمثله، فنأكل منها أجمعون ويفضل باقيها ونشتري حمل الحطب بدرهم واحد، وذلك أوان البرد الشديد، ولم أر في البلاد مدينة أرخص أسعارا منها.