ويعطيهم من ورق الزيتون ويقول لهم: استظهروا بها، فإنها كالأوامر لكم، فإذا خرج أحدهم إلى بلد أحضره أميره فيقول له: إن الإمام المهدي أعطاني هذا البلد، فيقول له أين الأمر؟ فيخرج ورق الزيتون، فيضرب ويحبس ثم أنه أمرهم بالتجهيز لقتال المسلمين، وأن يبدأوا بمدينة جبلة، وأمرهم أن يأخذوا عوض السيوف قضبان الآس، ووعدهم أنها تصير في أيديهم سيوفا عند القتال، فغدروا مدينة جبلة وأهلها في صلاة الجمعة، فدخلوا الدور وهتكوا الحريم، وثار المسلمون من مسجدهم فأخذوا السلاح وقتلوهم كيف شاءوا، واتصل الخبر باللاذقية فأقبل أميرها بهادر عبد الله «١٤٢» بعسكره وطيّرت الحمام إلى طرابلس فأتى أمير الأمراء بعساكره وأتبعوهم حتى قتلوا منهم نحو عشرين ألفا، وتحصّن الباقون بالجبال وراسلوا ملك الأمراء والتزموا أن يعطوه دينارا عن كل رأس إن هو حاول إبقاءهم.
وكان الخبر قد طيّر به الحمام إلى الملك الناصر وصدر جوابه أن يحمل عليه السيف، فراجعه ملك الأمراء وألقى له انهم عمال المسلمين في حراثة الأرض وأنهم إن قتلوا ضعف المسلمون لذلك، فأمر بالابقاء عليهم.
ثم سافرت إلى مدينة اللاذقية «١٤٣» وهي مدينة عتيقة على ساحل البحر يزعمون أنها مدينة الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا «١٤٤» ، وكنت إنما قصدتها لزيارة الولي الصالح عبد المحسن الاسكندري فلما وصلتها وجدته غائبا بالحجاز الشريف فلقيت من أصحابه الشيخين الصالحين سعيد البجائي ويحيى السلاوي، وهما بمسجد علاء الدين بن البهاء أحد فضلاء الشام وكبرائها صاحب الصدقات والمكارم وكان عمّر لهما زاوية بقرب المسجد وجعل بها الطعام للوارد والصادر، وقاضيها الفقيه الفاضل جلال الدين عبد الحق المصري المالكي، فاضل كريم تعلق بطيلان ملك الأمراء فولاه قضاءها.