الفقراء بذلك، قلت لهم: قد حصلت لي بركة الشيخ بأن كساني لباسه وأنا لا أدخل بهذه الفرجية على سلطان كافر ولا مسلم، وانصرفت عن الشيخ.
فاتّفق لي بعد مدة طويلة أني دخلت بلاد الصين وانتهيت إلى مدينة الخنسا فافترق مني أصحابي لكثرة الزحام، وكانت الفرجية عليّ فبينا أنا في بعض الطرق إذا بالوزير في موكب عظيم فوقع بصره علي فاستدعاني، وأخذ بيدي، وسألني عن مقدمي ولم يفارقني حتى وصلت إلى دار السلطان معه، فأردت الانفصال، فمنعني وأدخلني على السلطان فسألني عن سلاطين الإسلام فأجبته ونظر إلى الفرجية فاستحسنها، فقال لي الوزير: جرّدها! فلم يمكنني خلاف ذلك، فأخذها وأمر لي بعشر خلع وفرس مجهز ونفقة، وتغيّر خاطري لذلك، ثم تذكرت قول الشيخ: إنه يأخذها سلطان كافر، فطال عجبي من ذلك! ولما كان في السنة الأخرى دخلت دار ملك الصين بخان بالق، فقصدت زاوية الشيخ برهان الدين الصاغرجى فوجدته يقرأ والفرجية عليه بعينها فعجبت من ذلك وقلّبتها بيدي، فقال لي: لم تقلّبها وأنت تعرفها؟ فقلت له: نعم هي التي أخذها لي سلطان الخنسا، فقال لي: هذه الفرجية صنعها أخي جلال الدين برسمي، وكتب إليّ أن الفرجية تصلك على يد فلان، ثم أخرج ليّ الكتاب، فقرأته وعجبت من صدق يقين الشيخ، وأعلمته بأول الحكاية، فقال لي: أخي جلال الدّين أكبر من ذلك كلّه، هو يتصرف في الكون، وقد انتقل إلى رحمة الله، ثم قال لي: بلغني أنه كان يصلي الصبح كلّ يوم بمكة وأنه يحج كلّ عام لانه كان يغيب عن الناس يومي عرفة والعيد فلا يعرف أين ذهب.
ولما وادعت الشيخ جلال الدين سافرت إلى مدينة حبنق «٣١٣» ، وضبط اسمها بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة وسكون النّون وقاف، وهي أكبر المدن وأحسنها يشقها النّهر الذي ينزل من جبال كامرو، ويسمى النهر الأزرق «٣١٤» ويسافر فيه إلى بنجالة وبلاد اللّكنوتي، وعليه النواعير والبساتين والقرى يمنة ويسرة- كما هي على نيل مصر وأهلها كفار تحت الذمة يوخذ منهم نصف ما يزدرعون ووظائف سوى ذلك.
وسافرنا في هذا النهر خمسة عشر يوما بين القرى والبساتين فكأنما نمشي في سوق من الأسواق وفيه من المراكب ما لا يحصى كثرة، وفي كلّ مركب منها طبل فإذا التقى