ولما كان في اليوم الثامن اشتدّ بي العطش، وعدمت الماء ووصلت إلى قرية خراب فلم أجد بها حوضا، وعادتهم بتلك القرى أن يصنعوا أحواضا يجتمع بها ماء المطر فيشربون منه جميع السنة، فاتبعت طريقا فأفضت بي الى بئر غير مطوية، عليها حبل مصنوع من نبات الأرض، وليس فيه آنية يستقى بها فربطت خرقة كانت على رأسي في الحبل، وامتصصت ما تعلق بها من الماء، فلم يروني، فربطت خفي واستقيت به، فلم يفروني فاستقيت به ثانيا فانقطع الحبل، ووقع الخف في البئر فربطت الخف الآخر وشربت حتى رويت، ثم قطعته فربطت أعلاه على رجلي بحبل البئر، وبخرق وجدتها هنالك فبينما أنا أربطها وأفكر في حالي إذ لاح لي شخص فنظرت إليه فإذا رجل أسود اللّون بيده إبريق وعكّاز، وعلى كاهله جراب، فقال لي: سلام عليكم فقلت له: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقال لي بالفارسية: جيكس معناه: من أنت؟ فقلت له: أنا تائه! فقال لي: وأنا كذلك، ثم ربط إبريقه بحبل كان معه واستقى ماء فأردت أن أشرب، فقال لي: اصبر! ثم فتح جرابه فأخرج منه غرفة حمّص أسود مقلو مع قليل أرز، فأكلت منه وشربت، وتوضأ وصلّى ركعتين وتوضأت أنا وصليت، وسألني عن اسمي فقلت: محمد، وسألته عن اسمه فقال لي: القلب الفارح فتفاءلت بذلك وسررت به، ثم قال لي: بسم الله! ترافقني؟ فقلت:
نعم، فمشيت معه قليلا، ثم وجدت فتورا في أعضاءي، ولم أستطع النهوض، فقعدت، فقال لي: ما شأنك؟ فقلت له: كنت قادرا على المشي قبل أن ألقاك فلما لقيتك عجزت، فقال:
سبحان الله اركب عنقي! فقلت له: إنك ضعيف ولا تستطيع ذلك، فقال: يقوّيني الله، لا بد لك من ذلك، فركبت على عنقه، وقال لي: أكثر من قراءة: حسبنا الله ونعم الوكيل، فاكثرت من ذلك.
وغلبتني عيني فلم أفق إلا لسقوطي على الأرض فاستيقظت ولم أر للرجل أثرا، وإذا أنا في قرية عامرة فدخلتها فوجدتها لرعية الهنود، وحاكمها من المسلمين، فأعلموه بي فجاء إليّ فقلت له: ما اسم هذه القرية؟ فقال لي: تاج بوره «٢٢» ، وبينها وبين مدينة كول حيث أصحابنا فرسخان، وحملني ذلك الحاكم إلى بيته فأطعمني طعاما سخنا واغتسلت وقال لي: عندي ثوب وعمامة أودعهما عندي رجل عربي مصري من أهل المحلّة التي بكول، فقلت له:
هاتهما ألبسهما إلى أن أصل إلى المحلة، فأتى بهما فوجدتهما من ثيابي كنت قد وهبتهما لذلك العربي لما قدمنا كول فطال تعجبي من ذلك!