ولا ناحية إلا وفيها قارىء يصلي بجماعته فيرتج المسجد لأصوات القراء وترق النفوس وتحضر القلوب وتهمل الأعين.
ومن الناس من يقتصر على الطواف والصلاة في الحجر منفردا، والشافعية أكثر الأئمة اجتهادا، وعادتهم أنهم إذا أكملوا التراويح المعتادة وهي عشرون ركعة يطوف إمامهم وجماعته فإذا فرغ من الأسبوع ضربت الفرقعة التي ذكرنا أنها تكون بين يدي الخطيب يوم الجمعة وكان ذلك إعلاما بالعودة إلى الصلاة، ثم يصلي ركعتين ثم يطوف أسبوعا هكذا، إلى أن يتم عشرين ركعة أخرى ثم يصلون الشّفع والوتر وينصرفون.
وسائر الأئمة لا يزيدون على العادة شيئا، وإذا كان وقت السحور يتولى المؤذن الزمزمي التّسحير في الصومعة التي بالركن الشرقي من الحرم «٢٢٥» ، فيقوم داعيا ومذكرا ومحرضا على السحور، والمؤذّنون في سائر الصوامع، فإذا تكلم أحد منهم أجابه صاحبه، وقد نصبت في أعلى كل صومعة خشبة على رأسها عود معترض قد علق فيه قنديلان من الزجاج كبيران يقدان، فإذا قرب الفجر ووقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة حط القنديلان، وابتدأ المؤذنون بالآذان وأجاب بعضهم بعضا.
ولديار مكة شرفها الله سطوح، فمن بعدت داره بحيث لا يسمع الأذان يبصر القنديلين المذكورين، فيتسحّر حتّى إذا لم يبصرهما أقلع عن الأكل، وفي كل ليلة وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان يختمون القرآن ويحضر الختم القاضي والفقهاء والكبراء ويكون الذي يختم بهم أحد أبناء كبراء أهل مكة فاذا ختم نصب له منبر مزين بالحرير وأوقد الشمع وخطب، فإذا فرغ من خطبته استدعى أبوه الناس إلى منزله فأطعمهم الأطعمة الكثيرة والحلاوات وكذلك يصنعون في جميع ليالي الوتر، وأعظم تلك الليالي عندهم ليلة سبع وعشرين، واحتفالهم لها أعظم من احتفالهم لسائر الليالي، ويختم بها القرآن العظيم، خلف المقام الكريم، وتقام إزاء حطيم الشافعية خشب عظام توصل بالحطيم وتعرض بينها ألواح طوال، وتجعل ثلاث طبقات وعليها الشمع وقناديل الزجاج فيكاد يغشي الأبصار، شعاع الأنوار، ويتقدم الإمام فيصلي فريضة العشاء الأخيرة، ثم يبتدئ قراءة سورة القدر، وإليها يكون انتهاء قراءة الأئمة في الليلة التي قبلها، وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة عن التراويح تعظيما لختمة المقام، ويحضرونها متبركين فيختم الإمام في تسليمتين ثم يقوم