مخطوط بيسير عسل أو لبن «١٠٩» ، وهم يشربونه عوض الماء لانهم إن شربوا الماء خالصا أضرّ بهم، وإن لم يجدوا الذّرة خلطوه بالعسل أو اللبن، ثم أتى ببطيخ أخضر فأكلنا منه، ودخل غلام خماسي «١١٠» فدعاه، وقال لي: هذا ضيافتك، واحفظه لئيلّا يفر! فأخذته وأردت الانصراف، فقال: أقم حتى ياتي الطعام، وجاءت إلينا جارية له دمشقية عربية «١١١» ، فكلمتني بالعربي، فبينما نحن في ذلك سمعنا صراخا بداره، فوجه الجارية لتعرف خبر ذلك فعادت إليه فأعلمته أن بنتا له قد توفيت! فقال: إني لا أحب البكاء! فتعال نمشي إلى البحر! يعني النيل، وله على الساحل ديار، فأتى بالفرس فقال لي: اركب، فقلت: لا أركبه وأنت ماش! فمشينا جميعا، ووصلنا إلى دياره على النّيل وأتي بالطعام فأكلنا ووادعته وانصرفت ولم أر في السودان أكرم منه ولا أفضل، والغلام الذي أعطانيه باق عندي إلى الآن.
ثم سرت إلى مدينة كوكو «١١٢» وهي مدينة كبيرة على النيل من أحسن مدن السودان وأكبرها وأخصبها، فيها الأرز الكثير واللبن والدجاج والسمك، وبها الفقّوص العناني الذي لا نظير «١١٣» له، وتعامل أهلها في البيع والشراء بالودع، وكذلك اهل مالّي، وأقمت بها نحو شهر وأضافني بها محمد بن عمر من أهل مكناسة، وكان ظريفا مزّاحا فاضلا وتوفّى بها