وقد وقفت في كتاب نيل الديباج لأحمد بابا السوداني (ت ١٠٣٢- ١٦٢٣) عند ترجمة أبي زيد عبد الرحمن وترجمة أخيه ابي موسى عيسى ابنى الإمام البرشكي أنهما رحلا إلى المشرق وناظرا تقي الدين ابن تيمية الذي كانت له مقالات يحمل فيها حديث النزول على ظاهره، وقوله فيه" كنزولي هذا"، قال صاحب الديباج وهذه الزيادة أعني قول" كنزولي هذا" اثبتها ابن بطوطة في رحلته ... «٨»
الثانية: هي تلك التي أثارت الكثير من التعاليق: وهو سفره إلى مدينة بلغار التي سمع بها وهو بحضرة السلطان محمد أوزبك خان حتى يرى ما ذكر له عنها من تناهي قصر الليل بها وقصر النهار أيضا في الفصل المعاكس، وانه طلب إلى السلطان مساعدته للوصول إليها وكان بينها وبين محلة السّلطان مسيرة عشرة أيام.
إن المسافة بين الموقعين ألف وثلاثمائة كيلوميتر، فكيف يصل إليها المرء في عشرة أيام؟ ولم يشفع لابن بطوطة ما نعرفه عن الإمكانات المادية للسلطان والتي من شأنها، كما خبرنا ذلك، أن تتجاوز المعروف عند الإنسان العادي، ولهذا أصر المعلقون على أن هذه المعلومة تحتاج إلى ما يدعمها ...
أما المؤاخذات الأخرى الباقية فكانت تتصل ببعض الحكايات التي تتسم بالمبالغات التي لا يقبلها العقل، ونذكر على سبيل المثال حكاية ابن بطوطة عن الغواصين الذين يبحثون عن اللؤلؤ في الخليج فيما بين ميناء سيراف والبحرين. فقد ذكر أن في الغواصين من يصبر الساعة والساعتين في الماء ... مع العلم أنه لا يمكن تجاوز سبعين إلى مائة ثانية ... وقد كان زميلي الراحل الشيخ عبد الله الأنصاري القطري يحكي لي- وهو ممّن زاولوا الغوص- أن الغواصين كانوا يتنافسون في مدى التحمّل وقد نبّهني إلى أن قصد ابن بطوطة ليس هو الغوص تحت الماء طوال تلك المدة ولكن القصد إلى أنّ عملية النزول إلى عمق البحر والصعود منه تستمر تلك المدة. وهذا ما وجدته في بعض الترجمات الجديرة بالثقة، وهو ما تؤيده شهادة السيدين، جمعة الماجد وسيف الغرير، وكانا أيضا من رجال الغوص ...
ولا بد أن نذكّر هنا بأن ابن بطوطة هو الذي كان بين الفينة والأخرى يشعر بأن بعض ما يرويه قد لا يقبل من لدن بعض العقول فيقول مثلا- وهو يتحدث عن مزاعم الناس حول شجرة (درخت روان) - «ولهم في شأنها أكاذيب يحيلها العقل» وقال عن مزاعمهم حول