مشتملة بالمحاسن أحسن الاشتمال. وفيها مرتبة الملك العزيز التمكين، أحسن من طاقات السوسان والنسرين. وهي مستندة إلى ألواح تتصل بلطائف الصنعة، وتتلاءم أجزاؤها فتصير سورا ظاهر المنعة. وقد أودعها الدّهانون عجائب اشغالهم. وأظهروا بالفعل ما كان بالقوة في خيالهم حتى شمل الاتقان جميع ما تقع عليه الأبصار، وتتشوّف إليه الأفكار، واستوضحت الحكم التي استتبعت بها الأسرار.
ويستقدم قبّة الجلوس مجال يقيد الألحاظ، وتقف على ذكر محاسنه الألفاظ. وبه طريق الخليفة إذا خرج من مضاربه إلى حياة الساقة، التي قامت قيام الجبل الرفيع الذروة، والحديقة الملتفّة بأعلى الربوة. مرسلة أطنابها إرسال شآبيب الأمطار، رافعة عمدها الثابت الذي كاد كالحروف. فتنتشر المرواقات على أعطافها، وتتكاشف بمواطن استشرافها. حتى تحيط بالبقعة المتخيّرة لنزول خير الملوك، والمنزّل المطهر الذي يحوز بسلوك الإمام عليه بركة أهل السلوك.
سور عظيم يعارض مهاب الرياح، ويسمو سمو الحبا على الراح. ويزاحم الجو بمناكبه، ويكاتب البروق المومضة بكوائبه. وله شرفات من الرقاع الزرق تباهي ألوان السحاب، والعيون المناسبة في حجر الروض أحسن الانتساب.
وله بابان أحدهما جوفي وهو المسمى بباب الصرف، وهو مفتوح لبيت علا سمكه علو السماك، وأشرف على المحلّة إشراف البدر المنوّر الأحلاك. وأعرب عن الفخامة الثابتة الدلائل، والجلالة الرفيعة المنازل، والضخامة التي أنافت على الملوك الأوائل. والباب الثاني بقبلية أمام البرج الذي كاد يبلغ عنان السماء، ويزحم النجوم المختومة كؤوسها بمسك الظلماء. وهو مربّع الشكل، محتفل العلو والسفل، دواخل حيطانه أبدع من الروض غب العهاد، وأحسن من تحلّيات الخريدة ولا غرو فهي منوطة بالعماد.
فسيح مجال الأطناب، عالي مسادل الجلباب. شديد الأركان، يفوق شامخ البنيان.
سام على الهضاب، دافع في صدور السحاب. قابض بأعنّة الرياح الهوج، مشرف كغوارب القلائص العوج. قد لبس أثواب الهيئة وجرّ برودها، وصدع بأنوار العزّ وأبدى صعودها.
وزهى بجامور تحسد الثريا اجتماع تفافيحه، ويود الشفق لو كان بعض ذوائبه المرسلة إلا هزّ ريحه.
وفي جوفه حائط من الخشب يروق الأبصار بريقه، ويفوق الوشي اليماني تنميقه.
حسن المساق، جميع الاستنساق تجتمع أجزاءه بعد الافتراق، وتعود بعد الانخرام للانتظام والاتّساق.