للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسرة الجارحة التي كانت تحزّ في ابن بطوطة وهو يتحدث عن السّطو الذي تعرض له في الجزيرة الصغرى التي تقع بين هنور وفاكنور حيث سلبه القراصنة جميع ما عنده من جواهر ويواقيت، حتى الثياب والزّوادات، وبالرغم من القيمة المادية الهائلة لما افتقده في هذه الحادثة، فإنه نسى كلّ تلك الثروات وكلّ تلك التحف ولم يبق عالقا بذاكرته إلا" التقييدات" التي كان يودع فيها معلومات عن الشخصيات التي تعرف عليها وعن التصانيف التي ألفتها تلك الشخصيات! ولم ينتظر للتعبير عن حزنه على ضياع تلك المذكرات الظرف الزمني الذي وقع فيه الحادث، ولكنه. والمذكرات امر ذو بال يشغله- استعجل بذكر ذلك عند ما كان يتحدث عن علماء بخارى على ما سنرى ...

وينبغي أن نضيف إلى كل هذا أيضا مشاكل الترجمة التي لم يفته هو التنصيص على بعض أخطائها، فقد كان يتلقى أخبارا من المترجمين والمرشدين الذين يجدهم أمامه ليستعين بهم فيما يطلب من معلومات كان يرويها كما سمعها. فلقد قيل له- وهو في بيزنطة- عن النبي إلياس الذي ينطق به عندهم Elie فظنه عليّ ... واستغرب هو من ذلك!! ولكن المهم بعد هذا وقبل هذا أن سائر الذين، تعقبوه وانتقدوا بعض مقاطعه وفقراته أجمعوا على إكباره وتقديره، وعلى براعته في طريقته لجلب القراء بما كان يختاره من بديع النكتة ودقة التعبير، وبما كان يتخذه شعارا له من الصراحة في القول مما قد لا يجرؤ أحدنا اليوم على الجهر به. فهو يواجه الأمراء بما قد لا يرضيهم، وهو ينصف المستحقين منهم ولو أنه كان بعيدا عنهم، وهو في الأخير متحفظ فيما يرويه إذا لم يكن مقتنعا به حيث نجده «يخرج عن العهدة بما يشعر من الألفاظ بذلك» على حدّ تعبير ابن جزى الذي عرفه حقّ المعرفة. لقد كانوا جميعا يتفقون على أن ابن بطوطة هو الرحالة الأمين الذي كانت مذكراته تتميّز عن غيرها بما يحسه القراء ولا يستطيعون التعبير عنه سواء أكانوا يعيشون في أروپاأو آسيا أو إفريقيا.

<<  <  ج: ص:  >  >>