وبالمدينة قاعات على هذه الصورة لكثير من أهلها، فزلّ لسانه وقال للأميرين أنا أضمن هذه المدينة وكلما يحدث فيها أطالب به، وأحوط على السلطان مرتّبات العساكر والرجال. فأنكر الاميران قوله، وقالا: إنما تريد الثورة على السلطان! وقتلاه ... وانما كان قصده رحمه الله إظهار النصح والخدمة للسلطان، فكان فيه حتفه.
وكنت سمعت أيام كوني بالإسكندرية بالشيخ الصالح العابد المنقطع المنفق من الكون أبي عبد الله المرشدي «٣٨» وهو من كبار الأولياء المكاشفين أنه منقطع بمنية ابن مرشد، له هنالك زاوية هو منفرد فيها لا خديم له ولا صاحب ويقصده الأمراء والوزراء وتأتيه الوفود من طوائف الناس في كل يوم فيطعمهم الطعام، وكل واحد منهم ينوي أن يأكل عنده طعاما أو فاكهة أو حلواء فيأتي لكل واحد بما نواه! وربما كان ذلك في غير إبانه، ويأتيه الفقهاء لطلب الخطط فيولي ويعزل، وذلك كله من أمره مستفيض متواتر، وقد قصده الملك الناصر مرات بموضعه، فخرجت من مدينة الاسكندرية قاصدا هذا الشيخ نفعنا الله به. ووصلت قرية تروجة «٣٩» وضبطها بفتح التاء المعلوة والراء وواو وجيم مفتوح.
وهي على مسيرة نصف يوم من مدينة الإسكندرية، قرية كبيرة بها قاض ووال وناظر، ولأهلها مكارم أخلاق ومروءة، صحبت قاضيها صفي الدين وخطيبها فخر الدين وفاضلا من أهلها يسمى بمبارك وينعت بزين الدين، ونزلت بها على رجل من العبّاد الفضلاء كبير القدر يسمى عبد الوهاب، وأضافني ناظرها زين الدين ابن الواعظ، وسألني عن بلدي وعن مجباه فأخبرته أن مجباه نحو اثني عشر ألفا من دينار الذهب، فعجب، وقال لي: رأيت هذه القرية؟
فإن مجباها اثنان وسبعون الف دينار ذهبا. وإنما عظمت مجابي ديار مصر لأن جميع أملاكها لبيت المال. ثم «٤٠» خرجت من هذه القرية فوصلت مدينة دمنهور «٤١» وهي مدينة