من كبار المالكية «٥٠» سفر عن الملك الناصر إلى العراق، «٥١» وولى قضاء البلاد الغربية وله هيئة وصورة حسنة وخطيبها شرف الدين السخاوي من الصالحين. ورحلت إلى مدينة أبيار «٥٢» وهي قديمة البناء، أرجة الأرجاء، كثيرة المساجد، ذات حسن زائد، وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الباء الموحدة وياء آخر الحروف وألف وراء، وهي بمقربة من النّحرارية يفصل بينهما النيل وتصنع بأبيار ثياب حسان تغلو قيمتها بالشام والعراق ومصر وغيرها، ومن الغريب قرب النحرارية منها والثياب التي تصنع بها غير معتبرة ولا مستحسنة عند أهلها.
ولقيت بأبيار قاضيها عز الدين المليحي الشافعي وهو كريم الشمايل كبير القدر، حضرت عنده مرة يوم الركبة وهم يسمعون بذلك يوم ارتقاب هلال رمضان. وعادتهم فيه ان يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان «٥٣» بدار القاضي ويقف على الباب نقيب المتعمّمين، وهو ذو شارة وهيئة حسنة، فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه تلقاه ذلك النقيب ومشى بين يديه قائلا: بسم الله. سيدنا فلان الدين! فيسمعه القاضي ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب في موضع يليق به، فإذا تكاملوا هنالك ركب