للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسواق وبينها وبين المحلة الكبيرة ثلاثة فراسخ، وضبط اسمها بفتح السين المهمل والميم وتشديد النون وضمها وواو ودال مهمل، ومن هذه المدينة ركبت النيل مصعدا إلى مصر ما بين مدائن وقرى منتظمة متصل بعضها ببعض، ولا يفتقر راكب النيل إلى استصحاب الزاد لأنه مهما أراد النزول بالشاطئ نزل للوضوء والصلاة وشراء الزاد وغير ذلك، والأسواق متصلة من مدينة الاسكندرية إلى مصر ومن مصر إلى مدينة أسوان «٧٧» من الصعيد.

ثم وصلت إلى مدينة مصر هي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد «٧٨» ، ذات الأقاليم العريضة، والبلاد الأريضة المتناهية في كثرة العمارة، المتباهية بالحسن والنضارة، مجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل وجادّ وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم، على سعة مكانها وإمكانها «٧٩» ، شبابها يجدّ على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح منزل السعد، قهرت قاهرتها الامم، وتملكت ملوكها نواصي العرب والعجم، ولها خصوصية النيل التي جل خطرها، واغناها عن ان يستمد القطر قطرها، وأرضها مسيرة شهر لمجد السير، كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة.

قال ابن جزي: وفيها يقول الشاعر:

لعمرك ما مصر بمصر وإنما ... هي الجنّة الدّنيا لمن يتبصّر

فأولادها الولدان والحور عينها ... وروضتها الفردوس، والنيل كوثر.

وفيها يقول ناصر الدين بن ناهض:

شاطىء مصر جنّة ... ما مثلها من بلد

لا سيما مذ زخرفت ... بنيلها المطرد

وللرّياح فوقه ... سوابغ من زرد

مسرودة ما مسّها ... داودها بمبرد

سائلة هواؤها ... يرعد عاري الجسد

والفلك كالافلاك بين ... حادر ومصعد

<<  <  ج: ص:  >  >>