بلاد الافرنج بالشام ومرسى سفنهم، وتشبه بقسطنطينية العظمى، وبشرقيها عين ماء تعرف بعين البقر، يقال إن الله تعالى أخرج منها البقرة لآدم عليه السلام «٤٧» ، وينزل اليها في درج، وكان عليها مسجد بقى منه محرابه وبهذه المدينة قبر صالح عليه السلام «٤٨» .
ثم سافرت منها إلى مدينة صور وهي خراب «٤٩» ، وبخارجها قرية معمورة، وأكثر أهلها رافضيون «٥٠» ولقد نزلت بها مرة على بعض المياه أريد الوضوء فأتى بعض أهل تلك القرية ليتوضأ، فبدأ بغسل رجليه ثم غسل وجهه ولم يتمضمض ولا استنشق ثم مسح بعض رأسه فأخذت عليه في فعله فقال لي إن البناء إنما يكون ابتداؤه من الأساس! ومدينة صور هي التي يضرب بها المثل في الحصانة والمنعة لأن «٥١» البحر محيط بها من ثلاث جهاتها، ولها بابان أحدهما للبر والثاني للبحر، ولبابها الذي يشرع للبر أربعة فصلان كلها في ستاير محيطة بالباب، وأما الباب الذي للبحر فهو بين برجين عظيمين.
وبناؤها ليس في بلاد الدنيا أعجب ولا أغرب شأنا منه لأن البحر محيط بها من ثلاث جهاتها وعلى الجهة الرابعة سور، تدخل السفن تحت السور، وترسو هنالك، وكان فيما تقدم، بين البرجين سلسلة حديد معترضة لا سبيل إلى الداخل هنالك ولا إلى الخارج إلا بعد حطها، وكان عليها الحراس والأمناء فلا يدخل داخل ولا يخرج خارج إلا على علم منهم.
وكان لعكة أيضا ميناء مثلها ولكنها لم تكن تحمل إلا السفن الصغار.