العصر بمتعبد إبراهيم بن أدهم، فرأيت بمقربة منه حمار وحش قد أحدق الثلج به من كل جانب، وأظنّه لا يقدر على الحراك، فلو ذهبتم اليه لقدرتم عليه، وشويتم لحمه على هذه النار.
قال: فقمنا اليه في خمسة رجال فلقيناه كما وصف لنا، فقبضناه وأتينا به أصحابنا وذبحناه وشويناه في تلك النار، وطلبنا الفقير الذي نبّه عليه، فلم نجده ولا وقعنا له على أثر، فطال عجبنا منه.
ثم وصلنا من جبل لبنان إلى مدينة بعلبك «١٥٠» ، وهي حسنة قديمة من أطيب مدن الشام، تحدق بها البساتين الشريفة والجنات المنيفة، وتحترق أرضها الأنهار الجارية، وتضاهي دمشق في خيراتها المتناهية، وبها من حبّ الملوك ما ليس في سواها، وبها يصنع الدّبس «١٥١» المنسوب إليها، وهو نوع من الرّب يصنعونه من العنب، ولهم تربة يضعونها فيه فيجمد، وتكسر القلة التي يكون بها فيبقى قطعة واحدة، وتصنع منه الحلواء ويجعل فيها الفستق واللوز، ويسمون حلواءه بالملبّن ويسمونها أيضا بجلد الفرس «١٥٢» ، وهي كثيرة الألبان وتجلب منها إلى دمشق، وبينهما مسيرة يوم للمجدّ، وأما الرفاق فيخرجون من بعلبك فيبيتون ببلدة صغيرة تعرف بالزّبداني «١٥٣» كثيرة الفواكه، ويغدون منها إلى دمشق ويصنع ببعلبك الثياب المنسوبة اليها من الإحرام «١٥٤» وغيره ويصنع بها أواني الخشب وملاعقه