للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي لا نظير لها في البلاد، وهم يسمون الصحاف بالدّسوت «١٥٥» ، وربما صنعوا الصحفة وصنعوا صحفة أخرى تسع في جوفها وأخرى في جوفها إلى أن يبلغوا العشرة يخيل لرائيها أنها صحفة واحدة، وكذلك الملاعق يصنعون منها عشرة واحدة في جوف واحدة، ويصنعون لها غشاء من جلد ويمسكها الرجل في حزامه، وإذا حضر طعاما مع أصحابه أخرج ذلك فيظن رائيه أنها معلقة واحدة ثم يخرج من جوفها تسعا. وكان دخولي لبعلبك عشية النهار وخرجت منها بالغدو لفرط اشتياقي إلى دمشق ووصلت يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المعظم عام ستة وعشرين «١٥٦» إلى مدينة دمشق الشام فنزلت منها بمدرسة المالكية المعروفة بالشرابشية «١٥٧» .

ودمشق هي التي تفضل جميع البلاد حسنا وتتقدمها جمالا وكل وصف وإن طال، فهو قاصر عن محاسنها ولا أبدع مما قاله أبو الحسين بن جبير «١٥٨» ، رحمه الله تعالى، في ذكرها قال: وأما دمشق فهي جنّة المشرق ومطلع نورها المشرق وخاتمة بلاد الاسلام التي استقريناها وعروس المدن التي اجتليناها. قد تحلت بأزاهير الرياحين وتجلت في حلل سندسية من البساتين. وحلت موضع الحسن بالمكان المكين، وتزيّنت في منتصفها أجمل تزيين، وشرفت بأن أوى المسيح عليه السلام، وأمّه منها إلى ربوة ذات قرار معين، ظل ظليل، وماء سلسبيل «١٥٩» . تنساب مذانبه إنسياب الأراقم بكل سبيل. ورياض يحيي النفوس نسيمها العليل، تتبرّح لناظريها بمجتلى صقيل وتنادينا هلموا إلى معرّس للحسن ومقيل. وقد سئمت أرضها كثرة الماء حتى اشتاقت إلى الظماء! فتكاد تناديك بها الصّمّ الصّلاب:

أركض برجلك، هذا مغتسل بارد وشراب «١٦٠» . وقد أحدقت البساتين بها احداق الهالة

<<  <  ج: ص:  >  >>