للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو زدنا في هذا المسجد حتى يبلغ الجبّانة لم يزل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليما.

وأراد عمر أن يدخل في المسجد موضعا للعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ورضي عنهما فمنعه منه وكان فيه ميزاب يصبّ في المسجد، فنزعه عمر وقال: إنه يؤذي الناس، فنازعه العباس وحكّما بينهما أبي بن كعب رضي الله عنهما فأتيا داره فلم يؤذن لهما إلا بعد ساعة، ثم دخلا إليه فقال كانت جارتي تغسل رأسي، فذهب عمر ليتكلّم فقال له أبي: دع أبا الفضل يتكلّم لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، فقال العباس: خطّة خطها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وبنيتها معه وما وضعت الميزاب إلا ورجلاي على عاتقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء عمر فطرحه وأراد إدخالها في المسجد. فقال أبي: إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما يقول: أراد داوود عليه السلام أن يبني بيت الله المقدس وكان فيه بيت ليتيمين فراودهما على البيع فأبيا ثم أرادهما فباعاه، ثم قاما بالغبن فردّ البيع واشتراه منهما، ثم ردّاه كذلك فاستعظم داود الثمن، فأوحى الله إليه: إن كنت تعطى من شيء هو لك فأنت أعلم، وإن كنت تعطيهما من رزقنا فأعطهما حتى يرضيا، وان أغنى البيوت عن مظلمة بيت هو لي، وقد حرمت عليك بناءه، قال يا رب فأعطه سليمان، فأعطاه سليمان عليه السلام. فقال عمر من يشهد لي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما قاله؟ فخرج أبي إلى قوم من الأنصار فأثبتوا له ذلك، فقال عمر رضي الله عنه: أما إني لو لم أجد غيرك أخذت قولك، ولكني أحببت أن أثبت، ثم قال للعباس رضي الله عنه، والله لا تردّ الميزاب إلا وقدماك على عاتقيّ، ففعل العباس ذلك ثم قال: أما إذ أثبتت لي فهي صدقة لله، فهدمها عمر وأدخلها في المسجد، ثم زاد فيه عثمان رضي الله عنه وبناه بقوة وباشره بنفسه، فكان يظل فيه نهاره وبيّضه وأتقن محله بالحجارة المنقوشة، ووسعه من جهاته إلا جهة الشرق منها وجعل له سواري حجارة مثبتة بأعمدة الحديد والرصاص وسقفه بالسّاج، وصنع له محرابا وقيل إن مروان هو أول من بنى المحراب، وقيل: عمر بن عبد العزيز في خلافة الوليد.

ثم زاد فيه الوليد بن عبد الملك، تولّى ذلك عمر بن عبد العزيز فوسعه وحسّنه وبالغ في إتقانه وعمله بالرخام والساج المذهب «٤٨» ، وكان الوليد بعث إلى ملك الروم: إني أريد أن

<<  <  ج: ص:  >  >>