والصوم والصلاة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما صابر محتسب وكان ربما جاور بمكة المعظمة، رأيته بها سنة ثمان وعشرين وهو أكثر الناس طوافا وكنت أعجب من ملازمته الطواف مع شدة الحرّ بالمطاف، والمطاف مفروش بالحجارة السود وتصير بحر الشمس كأنها الصفائح المحماة، ولقد رأيت السقائين يصبّون الماء عليها فما يجاوز الموضع الذي يصبّ فيه إلا ويلتهب من حينه! وأكثر الطائفين في ذلك الوقت يلبسون الجوارب، وكان أبو العباس بن مرزوق يطوف حافي القدمين، ورأيته يوما يطوف فأحببت أن أطوف معه فوصلت المطاف وأردت استلام الحجر الأسود فلحقني لهب تلك الحجارة وأردت الرجوع بعد تقبيل الحجر فما وصلته إلا بعد جهد عظيم! ورجعت فلم أطف، وكنت أجعل سجادتي «٦٥» على الأرض وأمشي عليه حتى بلغت الرّواق.
وكان في ذلك العهد بمكة وزير غرناطة وكبيرها أبو القاسم محمد بن محمد ابن الفقيه أبي الحسن سهل بن مالك الأزدي «٦٦» ، وكان يطوف كل يوم سبعين أسبوعا «٦٧» ، ولم يكن يطوف في وقت القائلة لشدة الحر، وكان ابن مرزوق يطوف في شدة القائلة زيادة عليه.
ومن المجاورين بالمدينة، كرّمها الله، الشيخ الصالح العابد سعيد المراكشي الكفيف، ومنهم الشيخ أبو مهدي عيسى بن حرزوز «٦٨» المكناسي.