وجبل الرحمة الذي ذكرناه قائم في وسط بسيط جمع، منقطع عن الجبال، وهو من حجارة منقطع بعضها عن بعض، وفي أعلاه قبة تنسب إلى أم سلمة رضي الله عنها، وفي وسطها مسجد يتزاحم الناس للصلاة فيه، وحوله سطح فسيح يشرف على بسيط عرفات، وفي قبليّه «٢٢٩» جدار فيه محاريب منصوبة يصلي فيها النّاس وفي أسفل هذا الجبل عن يسار المستقبل للكعبة دار عتيقة البناء تنسب إلى آدم عليه السلام، وعن يسارها الصّخرات التي كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم عندها، وحول ذلك صهاريج وجباب للماء، وبمقربة منه الموضع الذي يقف فيه الإمام ويخطب ويجمع بين الظهر والعصر، وعن يسار العلمين للمستقبل أيضا وادي الأراك، وبه أراك أخضر يمتد في الأرض امتدادا طويلا.
وإذا حان وقت النّفر أشار الامام المالكي بيده ونزل عن موقفه فدفع الناس بالنفر دفعة ترتج لها الأرض وترجف الجبال فياله موقفا كريما، ومشهدا عظيما، ترجو النفوس حسن عقباه، وتطمح الآمال إلى نفحات رحماه، جعلنا الله ممن خصه فيه برضاه.
وكانت وقفتي الأولى يوم الخميس سنة ست وعشرين «٢٣٠» ، وأمير الركب المصري يومئذ أرغون الدوادار «٢٣١» نائب الملك الناصر، وحجت في تلك السنة ابنة الملك الناصر، وهي زوجة أبي بكر بن أرغون المذكور، وحجّت فيها زوجة الملك الناصر المسماة بالخوندة، وهي بنت السلطان المعظم محمد أوزبك ملك لسرا وخوارزم، وأمير الركب الشامي سيف الدين الجوبان «٢٣٢» .
ولما وقع النفر بعد غروب الشمس وصلنا مزدلفة عند العشاء الآخرة فصلينا بها المغرب والعشاء جمعا بينهما حسبما جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما صلينا الصبح بمزدلفة غدونا منها إلى منى بعد الوقوف والدعاء بالمشعر الحرام، ومزدلفة كلّها موقف إلا وادي محسّر ففيه تقع الهرولة حتى يخرج عنه.
ومن مزدلفة يستصحب أكثر الناس حصيات الجمار، وذلك مستحب، ومنهم من يلقطها