للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفواكه بتستر كثيرة، والخيرات متيسّرة غزيرة، ولا مثل لأسواقها في الحسن، وبخارجها تربة معظّمة يقصدها أهل تلك الأقطار للزيارة وينذرون لها النذور، ولها زاوية بها جماعة من الفقراء، وهم يزعمون أنها تربة زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب «٧٧» .

وكان نزولي من مدينة تستر في مدرسة الشيخ الامام الصالح المتفنّن شرف الدين موسى بن الشيخ الصالح الامام العالم صدر الدّين سليمان، وهو من ذريّة سهل ابن عبد الله، وهذا الشيخ ذو مكارم وفضائل، جامع بين العلم والدين والصلاح والايثار، وله مدرسة وزاوية، وخدّامها فتيان له أربعة: سنبل وكافور، وجوهر وسرور، أحدهم موكّل بأوقاف الزاوية، والثاني متصرّف فيما يحتاج إليه من النفقات في كل يوم والثالث خديم السّماط بين أيدي الواردين ومرتّب الطعام لهم، والرابع موكل بالطبّاخين والسقّائين والفرّاشين، فاقمت عنده ستّة عشر يوما فلم أر أعجب من ترتيبه، ولا أرغد من طعامه يقدّم بين يدي الرجل ما يكفي الأربعة من طعام الأرز المفلفل المطبوخ في السّمن والدجاج المقليّ والخبز واللحم والحلواء.

وهذا الشيخ من أحسن الناس صورة، وأقومهم سيرة، وهو يعظ الناس بعد صلاة الجمعة بالمسجد الجامع ولمّا شاهدت مجالسه في الوعظ صغر لدى كلّ واعظ رأيته قبله بالحجاز والشام ومصر، ولم ألق فيمن لقيتهم مثله، حضرت يوما عنده ببستان له على شاطئ النهر وقد اجتمع فقهاء المدينة وكبراؤها وأتى الفقراء من كل ناحية، فأطعم الجميع ثم صلّى بهم صلاة الظهر، وقام خطيبا وواعظا بعد أن قرأ القرّاء أمامه بالتلاحين المبكّية، والنغمات المحرّكة المهيجة، وخطب خطبة بسكون ووقار، وتصرّف في فنون العلم من تفسير كتاب الله وايراد حديث رسول الله والتكلم على معانيه، ثم ترامت عليه الرّقاع من كل ناحية. ومن عادة الأعاجم أن يكتبوا المسائل في رقاع ويرمونها إلى الواعظ فيجيب عنها «٧٨» فلمّا رمي إليه بتلك الرقاع جمعها في يده وأخذ يجيب عنها واحدة بعد واحدة بأبدع جواب وأحسنه وحان

<<  <  ج: ص:  >  >>