فلما كان من الغد برز أهلها للقائه في أجمل ترتيب وزيّنوا البلد، وأوقدوا الشمع الكثير ودخل الأمير حسين في أبّهة وحفل عظيم، وسار فيهم بأحسن سيرة، فلما مات السلطان أبو سعيد وانقرض عقبه وتغلّب كل أمير على ما بيده خافهم الامير حسين على نفسه وخرج عنهم، وتغلّب السلطان أبو اسحاق عليها، وعلى إصفهان وبلاد فارس وذلك مسيرة شهر ونصف شهر، واشتدّت شوكته وطمحت همّته إلى تملك ما يليه من البلاد فبدأ بالأقرب منها وهي مدينة يزد، مدينة حسنة نظيفة عجيبة الأسواق ذات أنهار مطّردة وأشجار نضيرة، وأهلها تجار شافعيّة المذهب فحاصرها وتغلب عليها وتحصن الأمير مظفّر شاه ابن الامير محمد شاه بن مظفر بقلعة على ستة أميال منها منيعة تحدق بها الرمال فحاصره بها.
فظهر «١٤٢» من الأمير مظفّر من الشجاعة ما خرق المعتاد ولم يسمع بمثله فكان يضرب على عسكر السلطان أبي إسحاق ليلا ويقتل ما شاء ويخرق المضارب والفساطيط ويعود إلى قلعته فلا يقدر على النيل منه، وضرب ليلة على دوّار السلطان، وقتل هنالك جماعة، وأخذ من عتاق خيله عشرة وعاد إلى قلعته، فأمر السلطان أن تركب في كل ليلة خمسة آلاف فارس ويصنعون له الكمائين، ففعلوا ذلك وخرج على عادته في مائة من أصحابه فضرب على العسكر واحاطت به الكمائن وتلاحقت العساكر فقاتلهم وخلص إلى قلعته ولم يصب من أصحابه إلا واحد أوتى به إلى السلطان أبي إسحاق فخلع عليه وأطلقه وبعث معه امانا لمظفر لينزل اليه فأبى ذلك.
ثم وقعت بينهما المراسلة ووقعت له محبّة في قلب السلطان أبي إسحاق لما رأى من شجا عنه، فقال أريد أن أراه فإذا رأيته انصرفت عنه فوقف السلطان في خارج القلعة ووقف هو ببابها وسلّم عليه، فقال له السلطان انزل على الأمان، فقال له مظفر: إني عاهدت الله ألا أنزل إليك حتى تدخل انت قلعتي، وحينئذ أنزل اليك فقال له: أفعل ذلك، فدخل اليه السلطان في عشرة من أصحابه الخوّاص، فلما وصل باب القلعة ترجّل مظفر وقبّل ركابه، ومشى بين يديه مترجّلا، فأدخله داره وأكل من طعامه ونزل معه إلى المحلّة راكبا فاجلسه السلطان إلى جانبه وخلع عليه ثيابه وأعطاه مالا عظيما ووقع الاتّفاق بينهما أن تكون الخطبة باسم السلطان أبي إسحاق «١٤٣» ، وتكون البلاد لمظفر وأبيه وعاد السلطان إلى بلاده