ثم سافرنا إلى مدينة دارا «٢٨٢» وهي عتيقة كبيرة بيضاء المنظر لها قلعة مشرفة وهي الآن خراب لا عمارة بها وفي خارجها قرية معمورة بها كان نزولنا، ثم رحلنا منها فوصلنا إلى مدينة ماردين «٢٨٣» ، وهي مدينة عظيمة في سفح جبل من أحسن مدن الإسلام وأبدعها وأتقنها وأحسنها أسواقا وبها تصنع الثياب المنسوبة اليها من الصوف المعروف بالمرعز «٢٨٤» ، ولها قلعة شمّاء من مشاهير القلاع في قنّة جبلها.
قال ابن جزي: قلعة ماردين هذه تسمّى الشهباء وايّاها عنى شاعر العراق صفّي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلّي «٢٨٥» بقوله في سمطه:
فدع ربوع الحلّة الفيحاء ... وازورّ بالعيس عن الزّوراء
ولا تقف بالموصل الحدباء ... انّ شهاب القلعة الشّهباء
محرق شيطان صروف الدّهر وقلعة حلب تسمّى الشّهباء، ايضا، وهذه المسمّطة بديعة مدح بها الملك المنصور سلطان ماردين «٢٨٦» وكان كريما شهير الصّيت، ولي الملك بها نحو خمسين سنة، وأدرك أيّام قازان ملك التتر وصاهر السلطان خذا بنده بابنته دنيا خاتون.