الدراهم فردّها عليهم، وقال لي: لو كان عجلان ما ردّها، وعجلان هو ابن أخيه رميثة، وكان قد دخل في تلك الأيام دار تاجر من أهل دمشق قاصدا لليمن فذهب بمعظم ما كان فيها، وعجلان هو أمير مكّة على هذا العهد، وقد صلح حاله واظهر العدل والفضل.
ثم سافرنا في هذا البحر بالرّيح الطّيبة يومين وتغيّرت الرّيح بعد ذالك وصدّتنا عن السبيل التي قصدناها ودخلت أمواج البحر معنا في المركب واشتدّ الميد بالناس ولم نزل في أهوال حتى خرجنا في مرسى يعرف برأس دوائر، فيما بين عيذاب وسواكن «٩» ، فنزلنا به ووجدانا بساحله عريش قصب على هيئة مسجد، وفيه كثير من قشور بيض النّعام مملوّة ماء فشربنا منه وطبخنا.
ورأيت بذلك المرسى عجبا وهو خور مثل الوادي يخرج من البحر، فكان الناس يأخذون الثوب ويمسكون بأطرافه ويخرجون به وقد امتلأ سمكا. كلّ سمكة منها قدر الذراع ويعرفونه بالبوريّ، فطبخ منه الناس كثيرا واشتووا وقصدت إلينا طائفة من البجاة، وهم سكّان تلك الأرض سود الألوان لباسهم الملاحف الصفر ويشدّون على رءوسهم عصائب حمرا في عرض الإصبع «١٠» ، وهم أهل نجدة وشجاعة وسلاحهم الرّماح والسيوف ولهم جمال يسمونها الصّهب يركبونها بالسروج، فاكترينا منهم الجمال وسافرنا معهم في برّيّة كثيرة الغزلان، والبجاة لا يأكلونها فهي تأنس بالآدميّ ولا تنفر منه.
وبعد يومين من مسيرنا وصلنا إلى حيّ من العرب يعرفون بأولاد كاهل مختلطين بالبجاة عارفين بلسانهم، وفي ذلك اليوم وصلنا إلى جزيرة سواكن وهي على نحو ستّة اميال من البرّ «١١» ولا ماء بها ولا زرع ولا شجر، والماء يجلب اليها في القوارب، وفيها صهاريج يجتمع بها ماء المطر وهي جزيرة كبيرة وبها لحوم النّعام والغزلان وحمر الوحش، والمعزى