في صحبتي، قصد بي إلى قاضي القضاة الإمام المحدّث صفيّ الدين الطبريّ المكّي «٣٧» فسلمنا عليه ورحّب بنا وأقمنا بداره في ضيافته ثلاثا، فلمّا كان في اليوم الرابع وهو يوم الخميس، وفيه يجلس السلطان لعامّة الناس دخل بي عليه فسلّمت عليه، وكيفيّة السلام عليه أن يمسّ الانسان الأرض بسبّابته، ثمّ يرفعها إلى رأسه، ويقول: ادام الله عزّك، ففعلت كمثل ما فعله القاضي، وقعد القاضي عن يمين الملك، وأمرني فقعدت بين يديه فسألني عن بلادي وعن مولانا أمير المسلمين جواد الأجواد أبي سعيد رضي الله عنه «٣٨» ، وعن ملك مصر وملك العراق وملك اللّور، فأجبته عمّا سأل من أحوالهم وكان وزيره بين يديه فأمره بإكرامي وإنزالي.
وترتيب قعود هذا الملك أنّه يجلس فوق دكّانة مفروشة مزيّنة بثياب الحرير، وعن يمينه ويساره أهل السلاح، ويليه منهم أصحاب السيوف والدّرق، ويليهم أصحاب القسيّ، وبين يديهم في الميمنة والميسرة الحاجب، وأرباب الدولة وكاتب السرّ وأمير جندار على رأسه، والشاوشيّة، وهم من الجنادرة وقوف على بعد، فإذا قعد السلطان صاحوا صيحة واحدة:
بسم الله، فإذا قام فعلوا مثل ذالك، فيعلم جميع من بالمشور وقت قيامه ووقت قعوده، فإذا استوى قاعدا دخل كلّ من عادته أن يسلّم عليه فسلّم ووقف حيث رسم له في الميمنة أو الميسرة لا يتعدّى أحد موضعه ولا يقعد إلّا من أمر بالقعود. ويقول السلطان للأمير جندار:
مر فلانا يقعد، فيتقدّم ذلك المأمور بالقعود عن موقفه قليلا، ويقعد على بساط هنالك بين أيدي القائمين في الميمنة والميسرة، ثم يوتي بالطعام، وهو طعامان طعام العامّة وطعام الخاصّة، فأمّا الطعام الخاصّ فيأكل منه السلطان وقاضي القضاة والكبار من الشرفاء ومن الفقهاء والضيوف وأمّا الطعام العامّ فيأكل منه سائر الشرفاء والفقهاء والقضاة والمشايخ والأمراء ووجوه الأجناد، ومجلس كلّ انسان للطعام معيّن لا يتعدّاه، ولا يزاحم أحد منهم أحدا. وعلى هذا الترتيب سواء هو ترتيب ملك الهند في طعامه، فلا أعلم هل أن سلاطين الهند أخذوا ذلك عن سلاطين اليمن أم سلاطين اليمن أخذوه عن سلاطين الهند.