للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم سافرنا منها في البحر خمس عشرة ليلة، ووصلنا مقدشو٤»

، وضبط اسمها بفتح الميم واسكان القاف وفتح الدال المهمل والشين المعجم واسكان الواو. وهي مدينة متناهية في الكبر، وأهلها لهم جمال كثيرة ينحرون منها المئين في كل يوم، ولهم أغنام كثيرة وأهلها تجار أقوياء وبها تصنع الثياب المنسوبة إليها التي لا نظير لها، ومنها تحمل إلى ديار مصر وغيرها «٤٩» .

ومن عادة أهل هذه المدينة أنّه متى وصل مركب إلى المرسى تصعد الصنابق، وهي القوارب الصغار إليه، ويكون في كل صنبوق جماعة من شبّان أهلها فيأتي كلّ واحد منهم بطبق مغطّى، فيه الطعام فيقدّمه لتاجر من تجار الركب، ويقول: هذا نزيلي، وكذلك يفعل كلّ واحد منهم، ولا ينزل التاجر من المركب إلّا إلى دار نزيله من هؤلاء الشبّان الّا من كان كثير التردّد إلى البلد وحصلت له معرفة أهله فانه ينزل حيث شاء فإذا نزل عند نزيله باع له ما عنده واشترى له، ومن اشترى منه ببخس أو باع منه بغير حضور نزيله فذلك البيع مردود عندهم، ولهم منفعة في ذلك.

ولمّا صعد الشبان إلى المركب الذي كنت فيه جاء إليّ بعضهم، فقال له أصحابي: ليس هذا بتاجر وإنما هو فقيه! فصاح بأصحابه وقال لهم: هذا نزيل القاضي، وكان فيهم أحد أصحاب القاضي فعرّفه بذلك، فأتى إلى ساحل البحر في جملة من الطلبة، وبعث إليّ أحدهم فنزلت أنا وأصحابي وسلّمت على القاضي وأصحابه، وقال لي: بسم الله نتوجّه للسلام على الشيخ، فقلت: ومن الشيخ؟ فقال: السلطان، وعادتهم ان يقولوا للسلطان الشيخ، فقلت له:

إذا نزلت توجّهت إليه، فقال لي: إن العادة إذا جاء الفقيه أو الشريف أو الرجل الصالح لا ينزل حتّى يرى السلطان، فذهبت معهم إليه كما طلبوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>