نجتمع به ولا رأيناه، ثم سافرنا إلى مدينة خنج بال «١٣٦» ، وضبط اسمها بضمّ الخاء المعجم، وقد يعوّض منه هاء واسكان النون وضم الجيم وباء معقودة والف ولام، وبها سكنى الشيخ أبي دلف الذي قصدنا زيارته وبزاويته نزلنا، ولمّا دخلت الزاوية رأيته قاعدا بناحية منها على التراب وعليه جبّة صوف خضراء بالية وعلى رأسه عمامة صوف سوداء فسلّمت عليه فأحسن الردّ، وسألني عن مقدمي وبلادي وأنزلني، وكان يبعث إليّ الطعام والفاكهة مع ولد له من الصالحين كثير الخشوع والتواضع صائم الدّهر كثير الصلاة، ولهذا الشيخ أبي دلف شأن عجيب، وأمر غريب، فإنّ نفقته في هذه الزاوية عظيمة، وهو يعطي العطاء الجزيل ويكسوا الناس ويركبهم الخيل، ويحسن لكل وارد وصادر، ولم أر في تلك البلاد مثله ولا يعلم له جهة إلا ما يصله من الإخوان والأصحاب، حتى زعم كثير من الناس أنه ينفق من الكون! وفي زاويته المذكورة قبر الشيخ الوليّ الصالح القطب دانيال «١٣٧» ، وله اسم بتلك البلاد شهير، وشأن في الولاية كبير، وعلى قبره قبّة عظيمة بناها السلطان قطب الدين تهمتن بن طوران شاه وأقمت عند الشيخ أبي دلف يوما واحدا لاستعجال الرفقة التي كنت في صحبتها، وسمعت أن بالمدينة خنج بال المذكورة زاوية فيها جملة من الصالحين المتعبّدين فرحت إليها بالعشيّ وسلّمت على شيخهم وعليهم ورأيت جماعة مباركة قد اثّرت فيهم العبادة، فهم صفر الألوان نحاف الجسوم كثير والبكاء غزير والدّموع وعند وصولي إليهم أتوا بالطعام، فقال كبيرهم: أدعوا لي ولدي محمدا، وكان معتزلا في بعض نواحي الزاوية فجاء الينا الولد وهو كأنّما خرج من قبر ممّا نهكته العبادة، فسلّم وقعد، فقال له أبوه: يا بنيّ شارك هؤلاء الواردين في الأكل تنل من بركاتهم، وكان صائما فأفطر معنا، وهم شافعيّة المذهب، فلمّا فرغنا من أكل الطعام دعوا لنا وانصرفنا.