قدّمناه إلى مدينة قونية «٤٩» وضبط اسمها بضم القاف وواو مدّ ونون مسكن وياء آخر الحروف، مدينة عظيمة حسنة العمارة كثيرة المياه والأنهار والبساتين والفواكه، وبها المشمش المسمّى بقمر الدين وقد تقدّم ذكره ويحمل منه أيضا إلى ديار مصر والشام، وشوارعها متّسعة جدّا، وأسواقها بديعة الترتيب وأهل كل صناعة على حدة، ويقال: إن هذه المدينة من بناء الاسكندر، وهي من بلاد السلطان بدر الدين بن قرمان، وسنذكره، وقد تغلّب عليها صاحب العراق في بعض الأوقات لقربها من بلاده التي بهذا الإقليم، نزلنا منها بزاوية قاضيها، ويعرف بابن قلم شاه «٥٠» ، وهو من الفتيان وزاويته من أعظم الزاويا، وله طائفة كبيرة من التلاميذ، ولهم في الفتوّة سند يتّصل إلى أمير المومنين عليّ بن أبي طالب «٥١» عليه السلام ولباسها عندهم السّراويل «٥٢» كما تلبس الصوفيّة الخرقة.
وكان صنيع هذا القاضي في إكرامنا وضيافتنا أعظم من صنيع من قبله وأجمل، وبعث ولده عوضا منه لدخول الحمّام معنا، وبهذه المدينة تربة الشيخ الإمام الصالح القطب جلال الدين المعروف بمولانا «٥٣» ، وكان كبير القدر، وبأرض الروم طائفة ينتمون اليه ويعرفون