للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سليمان «٨٣» عنه إلى صهره السلطان أرخان بك، فلمّا بلغه خبر وصولنا بعث إلينا ولديه خضربك وعمربك، «٨٤» فسلّما على الفقيه، وأمرهما بالسلام عليّ ففعلا ذلك وسألاني عن حالي ومقدمي، وانصرفا وبعث إليّ ببيت يسمّى عندهم الخرقة «٨٥» وهو عصيّ من الخشب تجمع شبه القبّة، وتجعل عليها اللبود ويفتح أعلاه لدخول الضوء والريح مثل البادهنج، ويسد متى أحتيج إلى سدّه، وأتوا بالفرش ففرشوه، وقعد الفقيه وقعدت معه وأصحابه وأصحابي خارج البيت تحت ظلال شجر الجوز، وذلك الموضع شديد البرد، ومات لي تلك الليلة فرس من شدّة البرد! ولمّا كان من الغد ركب المدرّس إلى السلطان وتكلّم في شأني بما اقتضته فضائله، ثم عاد إليّ وأعلمني بذلك، وبعد ساعة وجه السلطان في طلبنا معا فجئنا إلى منزله ووجدناه قائما فسلّمنا عليه، وقعد الفقيه عن يمينه وأنا ممّا يلي الفقيه فسألني عن حالي ومقدمي وسألني عن الحجاز ومصر والشام واليمن والعراقين وبلاد الأعاجم، ثم حضر الطعام فأكلنا وانصرفنا وبعث الأرز والدقيق والسمن في كروش الأغنام، وكذلك فعل الترك، وأقمنا على تلك الحال أيّاما يبعث عنّا في كلّ يوم فنحضر طعامه، وأتى يوما إلينا بعد الظهر وقعد الفقيه في صدر المجلس وأنا عن يساره وقعد السلطان عن يمين الفقيه وذلك لعزّة الفقهاء عند الترك، وطلب منّي أن أكتب له أحاديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «٨٦» فكتبتها له وعرضها الفقيه عليه في تلك الساعة، فأمره أن يكتب له شرحها باللّسان التركيّ، ثم قام فخرج ورأى الخدّام يطبخون لنا الطعام تحت ظلال الجوز بغير أبزار ولا خضر، فأمر بعقاب صاحب خزانته وبعث بالإبزار والسمن.

وطالت إقامتنا بذلك الجبل فأدركني الملل، وأردت الانصراف وكان الفقيه أيضا قد ملّ من المقام هنالك فبعث إلى السلطان يخبره أني أريد السفر، فلمّا كان من الغد، بعث السلطان نائبه فتكلم مع المدرّس بالتركيّة، ولم أكن إذ ذاك أفهمها، فأجابه عن كلامه

<<  <  ج: ص:  >  >>