امرأة صالحة فاضلة، وعلى المدينة أسوار أربعة بين كل سوريين خندق فيه الماء «١٢٣» ، ويدخل إليها على جسور خشب متى أرادوا رفعها رفعوها، وبداخل المدينة البساتين والدور والأرض والمزارع، فلكل إنسان داره ومزرعته وبستانه مجموعة، وشرابها من أبار بها قريبة، وبها من جميع أصناف الفواكه والجوز، والقسطل عندهم كثير جدّا رخيص الثمن، ويسمّون القسطل قسطنة بالنون، والجوز القوز بالقاف، وبها العنب العذاري «١٢٤» لم أر مثله في سواها متناهي الحلاوة عظيم الجرم صافي اللون رقيق القشر، للحبّة منه نواة واحدة، أنزلنا بهذه المدينة الفقيه الامام الحاجّ المجاور علاء الدين السلطانيوكي، وهو من الفضلاء الكرماء، ما جئت قطّ إلى زيارته الّا أحضر الطعام وصورته حسنة وسيرته أحسن وتوجه معي إلى الخاتون المذكورة فأكرمت وافاضت واحسنت.
وبعد قدومنا بأيام وصل إلى هذه المدينة السلطان أرخان بك الذي ذكرناه، وأقمت بهذه المدينة نحو أربعين يوما بسبب مرض فرس لي، فلما طال عليّ المكث تركته وانصرفت، ومعي ثلاثة من أصحابي وجارية وغلمان، وليس معنا من يحسن اللسان التركي ويترجم عنّا، وكان لنا ترجمان فارقنا بهذه المدينة.
ثم خرجنا منها فبتنا بقرية يقال لها: مكجا «١٢٥» ، بفتح الميم والكاف والجيم، بتنا عند فقيه بها أكرمنا وأضافنا، وسافرنا من عنده وتقدّمتنا امرأة من الترك على فرس ومعها خديم لها، وهي قاصدة مدينة ينجا «١٢٦» ، ونحن في اتباع أثرها، فوصلت إلى واد كبير يقال له سقريّ، كأنّه نسب إلى سقر أعاذنا الله منها «١٢٧» ، فذهبت تجوز الوادي، فلما توسطته كادت الدابة تغرق بها و؟ رمتها عن ظهرها، وأراد الخديم الذي كان معها استخلاصها فذهب الوادي بهما معا، وكان في عدوة الوادي قوم رموا بأنفسهم في أثرهما سباحة فاخرجوا المرأة وبها من الحياة رمق، ووجدوا الرجل قد قضى نحبه، رحمه الله.
وأخبرنا أولئك الناس أن المعدّية اسفل من ذلك الموضع فتوجهنا إليها وهي أربع خشبات مربوطة بالحبال، يجعلون عليها سروج الدواب والمتاع ويجذبها الرجال من العدوة