وكانت اقامتنا بهذه المدينة نحو أربعين يوما ننتظر تيسير السّفر في البحر إلى مدينة القرم «١» ، فاكترينا مركبا للروم وأقمنا أحد عشر يوما ننتظر مساعدة الريح، ثم ركبنا البحر، فلما توسطناه بعد ثلاث، هال علينا واشتدّ بنا الأمر، ورأينا الهلاك عيّانا وكنت بالطّارمة ومعي رجل من أهل المغرب يسمّى أبا بكر، فأمرته أن يصعد إلى أعلى المركب لينظر كيف البحر، ففعل ذلك، وأتاني بالطّارمة، فقال لي: أستودعكم الله! ودهمنا من الهول ما لم يعهد مثله، ثم تغيرت الريح وردّتنا إلى مقربة من مدينة صنوب التي خرجنا منها، وأراد بعض التجار النزول إلى مرساها فمنعت صاحب المركب من إنزاله.
ثم استقامت الريح وسافرنا فلمّا توسطنا البحر هال علينا وجرى لنا مثل المرّة الأولى، ثم ساعدت الريح ورأينا جبال البرّ وقصدنا مرسى يسمّى الكرش «٢» ، فأردنا دخوله، فأشار الينا أناس كانوا بالجبل: أن لا تدخلوا، فخفنا على أنفسنا وظنّنا أن هنالك أجفانا للعدوّ، فرجعنا مع البرّ فلما قاربناه، قلت لصاحب المركب: أريد أن أنزل هاهنا، فأنزلني بالساحل، ورأيت كنيسة «٣» فقصدتها فوجدت بها راهبا ورأيت في أحد حيطان الكنيسة صورة رجل عربيّ عليه عمامة متقلّد سيفا وبيده رمح وبين يديه سراج يقد: فقلت للراهب ما هذه الصورة؟ فقال: هذه صورة النبيّ على «٤» فعجبت من قوله، وبتنا تلك الليلة بالكنيسة وطبخنا دجاجا فلم نستطع أكلها إذ كانت ممّا استصحبناه في المركب، ورائحة البحر قد غلبت على كل ما كان فيه، وهذا الموضع الذي نزلنا به هو من الصحراء المعروفة بدشت قفجق، «٥»