للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخاصيّة هذه الصحراء أن نباتها يقوم مقام الشعير للدوابّ، وليست لغيرها من البلاد هذه الخاصية، ولذلك كثرت الدّواب بها، ودوابّهم لا رعاة لها ولا حرّاس، وذلك لشدّة أحكامهم في السرقة، وحكمهم فيها أنّه من وجد عنده فرس مسروق كلّف أن يردّه إلى صاحبه ويعطيه معه تسعة مثله، فإن لم يقدر على ذلك أخذ أولاده في ذلك، فإن لم يكن له أولاد، دبح كما تذبح الشاة «١٣» ! وهؤلاء الأتراك لا يأكلون الخبز ولا الطّعام الغليظ، وانّما يصنعون طعاما من شيء عندهم شبه أنلي يسمونه الدّوقي «١٤» ، بدال مهمل مضموم وواو وقاف مكسور معقود، يجعلون على النار الماء فإذا غلى صبّوا عليه شيئا من هذا الدّوقي، وإن كان عندهم لحم قطعوه قطعا صغارا وطبخوه معه، ثم يجعل لكلّ رجل نصيبه في صفحة ويصبّون عليه اللّبن الرائب وشربون عليه لبن الخيل، وهم يسمّونه القمزّ «١٥» ، بكسر القاف والميم والزاي المشدّد، وهم أهل قوّة وشدة وحسن مزاج.

ويستعملون في بعض الأوقات طعاما يسمونه البورخاني، وهو عجين يقطعونه قطيعات صغارا ويثقبون أوساطها ويجعلونها في قدر، فإذا طبخت صبّوا عليها اللّبن الرائب وشربوها، ولهم نبيد يصنعونه من حبّ الدّوقي الذي تقدم ذكره، وهم يرون أكل الحلواء عيبا! ولقد حضرت يوما عند السلطان أوزبك في رمضان فأحضرت لحوم الخيل وهي أكثر ما يأكلون من اللّحم ولحوم الأغنام والرشتا، وهو شبه الإطرية يطبخ ويشرب باللبن، وأتيته تلك الليلة بطبق حلواء صنعها بعض أصحابي فقدّمتها بين يديه فجعل إصبعه عليها وجعله على فيه، ولم يزد على ذلك. وأخبرني الأمير تلكتمور أنّ أحد الكبار من مماليك هذا السلطان، وله من أولاده وأولاد أولاده نحو أربعين ولدا، قال له السلطان يوما: كل الحلواء واعتقكم جميعا فأبى! وقال: لو قتلتني ما أكلتها!!

<<  <  ج: ص:  >  >>