ومن عادته أن يجلس يوم الجمعة بعد الصلاة في قبة تسمى قبة الذهب: مزينة بديعة وهي من قضبان خشب مكسوة بصفائح الذّهب، وفي وسطها سرير من خشب مكسوّ بصفائح الفضّة المذهّبة، وقوائمه فضّة خالصة ورؤوسها مرصّعة بالجواهر، ويقعد السلطان على السرير وعلى يمينه الخاتون طيطغلي، وتليها الخاتون كبك وعلى يساره الخاتون بيلون، وتليها الخاتون أردجي، ويقف أسفل السرير عن اليمين ولد السلطان تين بك وعن الشمال ولده الثاني: جان بك، وتجلس بين يديه ابنته إيت كجكج، وإذا أتت إحداهن قام لها السلطان وأخذ بيدها حتى تصعد على السرير، وأمّا طيطغلي وهي الملكة وأحظاهنّ عنده فإنه يستقبلها إلى باب القبّة فيسلّم عليها، ويأخذ بيدها فإذا صعدت على السّرير وجلست، حينئذ يجلس السلطان، وهذا كلّه على أعين الناس دون احتجاب! ويأتي بعد ذلك كبار الأمراء، فتنصب لهم كراسيّهم عن اليمين والشمال، وكل إنسان منهم إذا أتى مجلس السلطان يأتي معه غلام بكرسيه، ويقف بين يدي السلطان أبناء الملوك من بني عمّه وإخوته وأقاربه ويقف في مقابلتهم عند باب القبّة أولاد الأمراء الكبار، ويقف خلفهم وجوه العساكر عن يمين وشمال، ثم يدخل النّاس للسلام، الأمثل فالأمثل: ثلاثة ثلاثة، فيسلمون وينصرفون فيجلسون على بعد، فإذا كان بعد صلاة العصر انصرفت الملكة من الخواتين، ثم ينصرفون فيجلسون على بعد، فإذا كان بعد صلاة العصر انصرفت الملكة من الخواتين، ثم ينصرف سائرهن فيتبعنها إلى محلّتها، فإذا دخلت إليها انصرفت كلّ واحدة إلى محلتها راكبة عربتها، ومع كل واحدة نحو خمسين جارية، راكبات على الخيل! وأمام العربة نحو عشرين من قواعد النساء راكبات على الخيل فيما بين الفتيان والعربة وخلف الجميع نحو مائة مملوك من الصبيان، وأمام الفتيان نحو مائة من المماليك الكبار ركبانا، ومثلهم مشاة بأيديهم القضبان والسيوف مشدودة على أوساطهم وهم بين الفرسان والفتيان، وهكذا ترتيب كلّ خاتون منهن في انصرافها ومجيئها.
وكان نزولي من المحلة في جوار ولد السلطان جان بك الذي يقع ذكره فيما بعد، وفي الغد من يوم وصولي دخلت إلى السلطان بعد صلاة العصر، وقد جمع المشايخ والقضاة والفقهاء والشرفاء والفقراء، وقد صنع طعاما كثيرا وأفطرنا بمحضره، وتكلّم السيد الشريف نقيب الشرفاء ابن عبد الحميد والقاضي حمزة في شأني بالخير، وأشاروا على السلطان بإكرامي.
وهؤلاء الأتراك لا يعرفون إنزال الوارد ولا إجراء النفقة وانّما يبعثون له الغنم والخيل للذّبح وروايا القمزّ، وتلك كرامتهم، وبعد هذا بأيام صلّيت صلاة العصر مع السلطان، فلما أردت الانصراف أمرني بالقعود، وجاءوا بالطّعام من المشروبات كما يصنع من الدّوقي ثم