من العربات عليها روايا القمزّ فأمر السلطان بتفريقها على الناس، فأتوا إلىّ بعربة منها فأعطيتها لجيراني من الأتراك، ثم أتينا المسجد ننتظر صلاة الجمعة فأبطأ السلطان، فمن قائل إنّه لا يأتي لأن السّكر قد غلب عليه، ومن قائل إنّه لا يترك الجمعة، فلمّا كان بعد تمكّن الوقت أتى وهو يتمايل! فسلم على السيد الشريف وتبسّم له وكان يخاطبه بآطا، وهو الأب بلسان التّركية، ثم صلّينا الجمعة وانصرف الناس إلى منازلهم وانصرف السلطان إلى الباركة، فبقي على حاله إلى صلاة العصر ثم انصرف الناس أجمعون وبقي مع الملك تلك الليلة خواتينه وبنته.
ثم كان رحيلنا مع السلطان والمحلّة لمّا انقضى العيد فوصلنا إلى مدينة الحاجّ ترخان «٦٧» ، ومعنى ترخان عندهم: الموضع المحرّر من المغارم، وهو بفتح التاء المثناة وسكون الراء وفتح الخاء المعجم وآخره نون، والمنسوب اليه هذه المدينة هو حاجّ من الصالحين، تركي نزل بموضعها وحرّر له السلطان ذلك الموضع فصار قرية، ثم عظمت وتمدّنت، وهي من أحسن المدن عظيمة الأسواق مبنيّة على نهر إتل «٦٨» ، وهو من أنهار الدنيا الكبار، وهنالك يقيم السلطان حتّى يشتدّ البرد ويجمد هذا النهر، وتجمد المياه المتّصلة به، ثم يأمر أهل تلك البلاد فيأتون بآلاف من أحمال التبن فيجعلونها على الجليد المنعقد فوق النهر، والتبن هنالك لا تأكله الدواب، لأنّه يضرّها، وكذلك ببلاد الهند، وانّما أكلها الحشيش الأخضر لخصب البلاد، ويسافرون بالعربات فوق هذا النهر، والمياه المتصلة به ثلاث مراحل، وربّما جازت القوافل فوقه مع آخر فصل الشتاء فيغرقون ويهلكون.
ولمّا وصلنا مدينة الحاجّ ترخان رغبت الخاتون بيلون ابنة ملك الروم من السلطان أن ياذن لها في زيارة أبيها لتضع حملها عنده وتعود إليه، فأذن لها ورغبت منه أن يأذن لي في التوجّه صحبتها لمشاهدة القسطنطينية العظمى، فمنعني خوفا عليّ فلاطفته وقلت له: إنّما أدخلها في حرمتك وجوارك فلا أخاف من أحد! فأذن لي وودّعناه ووصلني بألف وخمسمائة دينار وخلعة وأفراس كثيرة وأعطتني كلّ خاتون منهنّ سبائك الفضة، وهم يسمّونها الصّوم،