وفوقه خفّ من البرغالي «١١٢» ، وهو جلد الفرس مبطن بجلد ذيب، وكنت أتوضأ بالماء الحارّ بمقربة من النار فما تقطر من الماء قطرة إلّا جمدت لحينها! وإذا غسلت وجهي يصل الماء إلى لحيتي فيجمد، فأحرّكها فيسقط منها شبه الثلج، والماء الذي ينزل من الأنف يجمد على الشارب، وكنت لا أستطيع الركوب لكثرة ما عليّ من الثياب حتى يركبني أصحابي! ثم «١١٣» وصلت إلى مدينة الحاجّ ترخان حيث فارقنا السلطان أوزبك فوجدناه قد رحل واستقرّ بحضرة ملكه، فسافرنا على نها إتل وما يليه من المياه ثلاثا وهي جامدة، وكنّا إذا احتجنا الماء قطعنا قطعا من الجليد وجعلنا في القدر حتى يصير ماء فنشرب منه ونطبخ به!! ووصلنا إلى مدينة السّرا، وضبط اسمها بسين مهمل وراء مفتوحين وألف وتعرف بسرا بركة «١١٤» ، وهي حضرة السلطان أوزبك، ودخلنا على السّلطان فسألنا عن كيفيّة سفرنا وعن ملك الروم، ومدينته فأعلمناه، وأمر بإجراء النفقة علينا وأنزلنا.
ومدينة السّرا من أحسن المدن متناهية الكبر في بسيط من الأرض تغصّ بأهلها كثرة، حسنة الأسواق، متّسعة الشوارع، وركبنا يوما مع بعض كبرائها وغرضنا التطوّف عليها ومعرفة مقدارها، وكان منزلنا في طرف منها فركبنا منه غدوة فما وصلنا لآخرها إلّا بعد الزوال فصلّينا الظهر، وأكلنا طعاما فما وصلنا إلى المنزل إلا عند المغرب، ومشينا يوما عرضها ذاهبين وراجعين في نصف يوم، وذلك في عمارة متّصلة الدور لا خراب فيها ولا بساتين وفيها ثلاثة عشر مسجدا لإقامة الجمعة: أحدها للشافعية، وأمّا المساجد سوى ذلك فكثير جدا وفيها طوائف من الناس منهم المغل، وهم أهل البلاد، والسلاطين، وبعضهم مسلمون، ومنهم الآص «١١٥» وهم مسلمون، ومنهم القفجق، والجركس والرّوس، والروم، وهم