أر قط خلعة أجمل من هذه الخلعة، وقد رأيت ما خلعه السلطان على سائر أصهاره مثل ابن ملك الملوك عماد الدين السّمناني، وابن ملك العلماء وابن شيخ الإسلام وابن صدر جهان البخاري، فلم يكن فيها مثل هذه.
ثم ركب الأمير سيف الدين في أصحابه وعبيده، وفي يد كلّ واحد منهم عصى قد أعدها، وصنعوا شبه إكليل من الياسمين والنّسرين وريبول «٦٥» ، وله رفرف «٦٦» يغطي وجه المتكلل به وصدره، وأتوا به الأمير ليجعله على رأسه، فأبى من ذلك، وكان من عرب البادية، لا عهد له بأمور الملك والحضر! فحاولته وحلفت عليه حتى جعله على رأسه وأتى باب الصّرف ويسمونه باب الحرم «٦٧» ، وعليه جماعة الزوجة فحمل عليهم بأصحابه حملة عربية وصرعوا كل من عارضهم فغلبوا عليهم، ولم يكن لجماعة الزوجة من ثبات! وبلغ ذلك السلطان فأعجبه فعله، ودخل إلى المشور وقد جعلت العروس فوق منبر عال مزين بالديباج مرصع بالجوهر والمشور ملآن بالنساء والمطربات قد أحضرن أنواع الآلات المطربة وكلهنّ وقوف على قدم إجلالا له وتعظيما، فدخل بفرسه حتى قرب من المنبر فنزل وخدم عند أول درجة منه، وقامت العروس قائمة حتى صعد فأعطته التنبول بيدها فأخذه وجلس تحت الدرجة التي وقفت بها، ونثرت دنانير الذهب على رؤوس الحاضرين من أصحابه، ولقطتها النساء والمغنيات يغنين حينئذ، والأطبال والأبواق والأنفار تضرب خارج الباب.
ثم قام الأمير وأخذ بيد زوجته ونزل وهي تتبعه، فركب فرسه يطأ به الفرش والبسط، ونثرت «٦٨» الدنانير عليه وعلى أصحابه، وجعلت العروس في محفة وحملها العبيد على أعناقهم إلى قصره، والخواتين بين يديها راكبات وغيرهن من النساء ماشيات، وإذا مرّوا بدار أمير أو كبير خرج إليهم ونثر عليهم الدنانير والدراهم على قدر همته حتى أوصلوها إلى قصرها.