بهاء الدين إلى ملك من ملوك الكفار يعرف بالراي «٨» كنبيلة، والراي عندهم كمثل ما هو بلسان الروم: عبارة عن السلطان، وكنبيلة اسم الاقليم الذي هو به، بفتح الكاف وسكون النون وكسر الباء الموحدة وياء ولام مفتوح «٩» .
وهذا الراي له بلاد في جبال منيعة، وهو من أكابر سلاطين الكفار، فلمّا هرب إليه بهاء الدين اتّبعه عساكر السلطان وحصروا تلك البلاد، واشتدّ الأمر على الكافر، ونفد ما عنده من الزرع، وخاف أن يوخذ باليد، فقال لبهاء الدين: إن الحال قد بلغت لما تراه وأنا عازم على هلاك نفسي وعيالي ومن تبعني، فاذهب أنت إلى السلطان فلان، لسلطان من الكفار سمّاه له، فأقم عنده فإنّه سيمنعك وبعث معه من أوصله إليه.
وأمر راي كنبيلة بنار عظيمة فأججت «١٠» وأحرق فيها أمتعته وقال لنسائه وبناته:
إنّي أريد قتل نفسي، فمن أرادت موافقتي فلتفعل، فكانت المرأة منهنّ تغتسل وتدّهن بالصندل المقاصريّ «١١» وتقبّل الأرض بين يديه وترمي بنفسها في النار حتّى هلكن جميعا، وفعل مثل ذلك نساء امرائه ووزرائه وأرباب دولته، ومن أراد من سائر النساء، ثمّ اغتسل الرآى وادّهن بالصندل ولبس السلاح ما عدا الدرع، وفعل كفعله من أراد الموت معه من ناسه، وخرجوا إلى عسكر السلطان فقاتلوا حتّى قتلوا جميعا، ودخلت المدينة فأسر أهلها وأسر من أولاد رآى كنبيلة أحد عشر ولدا، فأتي بهم السلطان فاسلموا جميعا وجعلهم السلطان أمراء وعظّمهم لأصالتهم ولفعل أبيهم، فرأيت عنده منهم نصرا وبختيار والمهردار «١٢» ، وهو صاحب الخاتم الذي يختم به على الماء الذي يشرب السلطان منه، وكنيته أبو مسلم، وكانت بيني وبينه صحبة ومودّة.
ولمّا قتل رآى كنبيلة توجّهت عساكر السلطان إلى بلد الكافر الذي لجأ اليه بهاء الدين وأحاطوا به «١٣» ، فقال ذلك السلطان: أنا لا أقدر على أن أفعل ما فعله راى كنبيلة فقبض