الفصول كالياسمين وقل شبه «٨٥» ، وهي زهر أصفر، وريبول وهو ابيض، والنسرين وهو على صنفين أبيض واصفر، ويجعلون أغصان النارنج والليمون بثمارها، وان لم يكن فيها ثمار علّقوا منها حبّات بالخيوط، ويصبّون على القبر الفواكه اليابسة، وجوز النارجيل، ويجتمع الناس ويؤتى بالمصاحف فيقرءون القرآن فإذا ختموه أتوا بماء الجلّاب فسقوه الناس، ثمّ يصبّ عليهم ماء الورد صبّا ويعطون التنبول وينصرفون.
ولمّا كان صبيحة الثالث من دفن البنت خرجت عند الصبح على العادة وأعددت ما تيسّر من ذلك كلّه، فوجدت الوزير قد أمر بترتيب ذلك، وأمر بسراجة فضربت على القبر، وجاء الحاجب شمس الدين الفوشنجيّ الذي تلقّانا بالسند، والقاضي نظام الدين الكرواني، وجملة من كبار اهل المدينة ولم آت إلّا والقوم المذكورون قد اخذوا مجالسهم والحاجب بين أيديهم وهم يقرءون القرآن، فقعدت مع أصحابي بمقربة من القبر فلمّا فرغوا من القراءة، قرأ القراء بأصوات حسان ثمّ قام القاضي فقرأ رثاء في البنت المتوفّاة وثناء على السلطان، وعند ذكر اسمه قام الناس جميعا قياما فخدموا ثمّ جلسوا ودعا القاضي دعاء حسنا.
ثمّ اخذ الحاجب واصحابه براميل ماء الورد فصبّوه على الناس ثمّ داروا عليهم بأقداح شربة النّبات ثمّ فرقوا عليهم التنبول، ثمّ أتي بإحدى عشرة خلعة لي ولأصحابي، ثمّ ركب الحاجب وركبنا معه إلى دار السلطان فخدمنا للسّرير على العادة وانصرفت إلى منزلي، فما وصلت الّا وقد جاء الطعام من دار المخدومة جهان ما ملأ الدار ودور أصحابي وأكلوا جميعا وأكل المساكين وفضلت الأقراص والحلواء والنبات فأقامت بقاياها إيّاما، وكان فعل ذلك كلّه بامر السلطان.
وبعد ايّام جاء الفتيان من دار المخدومة جهان بالدولة «٨٦» وهي المحفّة التي يحمل فيها النساء ويركبها الرجال أيضا وهي شبه السرير سطحها من ضفائر الحرير أو القطن وعليها عود شبه الذي على البوجات عندنا معوّج من القصب الهندي المغلوق، ويحملها ثمانية رجال في نوبتين: يستريح أربعة ويحمل أربعة، وهذه الدّول بالهند كالحمير بديار مصر، عليها يتصرّف أكثر الناس، فمن كان له عبيد حملوه ومن لم يكن له عبيد اكترى رجالا يحملونه، وبالبلد منهم جماعة يسيرة يقفون في الأسواق، وعند باب السلطان وعند ابواب الناس للكراء وتكون دول النساء مغشاة بغشاء حرير، وكذلك كانت هذه الدولة التي اتى الفتيان بها من دار امّ السلطان فحملوا فيها جاريتي التي هي امّ البنت المتوفّاة، وبعثت أنا معها عن هديّة جارية تركيّة، فأقامت الجارية امّ البنت عندهم ليلة وجاءت في اليوم الثاني وقد