فقدّمتها بين يديه، وهو قاعد على كرسيّ، فجعلها على ركبته، وأمسك طرفها بيده وطرفها الثاني بيدي وكنت إذا أكملت بيتا منها أقول لقاضي القضاة كمال الدين الغزنويّ:
بيّن معناه لخوند عالم! فيبيّنه ويعجب السلطان، وهم يحبّون الشعر العربيّ، فلمّا بلغت إلى قولي: فعجّل لمن وافى، البيت قال: مرحمة، ومعناه ترحّمت عليك، فأخذ الحجّاب حينئذ بيدي ليذهبوا بي إلى موقفهم، وأخدم على العادة، فقال السلطان: اتركوه حتّى يكملها، فاكملتها وخدمت وهنّأني الناس بذلك واقمت مدّة وكتبت رفعا، وهم يسمونه عرض داشت، فدفعته إلى قطب الملك صاحب السّند، فدفعه للسلطان، فقال له: امض إلى خواجة جهان، فقل له يعطي دينه، فمضى إليه وأعلمه، فقال: نعم، وأبطأ ذلك أيّاما، وأمره السلطان في خلالها بالسفر إلى دولة آباد، وفي أثناء ذلك خرج السلطان إلى الصيد وسافر الوزير فلم آخذ شيئا منها الّا بعد مدة، والسبب الذي توقّف به عطاؤها أذكره مستوفى وهو انّه لمّا عزم الذين كان لهم عليّ الدين على السفر، قلت لهم: إذا أنا أتيت دار السلطان فدرهوني على العادة في تلك البلاد، لعلمي أن السلطان متى يعلم بذلك خلّصهم، وعادتهم أنّه متى كان لأحد دين على رجل من ذوي العناية وأعوزه خلاصه وقف له بباب دار السلطان، فإذا أراد الدّخول قال له:
دروهي السلطان «١٠٥» ، وحقّ رأس السلطان، ما تدخل حتّى تخلّصني، فلا يمكنه أن يبرح من مكانه حتّى يخلّصه أو يرغب إليه في تأخيره! فاتّفق يوما أن خرج السلطان إلى زيارة قبر أبيه ونزل بقصر هنالك، فقلت لهم: هذا وقتكم، فلمّا اردت الدخول وقفوا لي بباب القصر، فقالوا لي: دروهي السلطان، ما تدخل حتّى تخلّصنا! وكتب كتّاب الباب بذلك إلى السلطان فخرج حاجب قصّة، شمس الدين وكان من كبار الفقهاء فسألهم: لأي شيء درهتموه؟ فقالوا: لنا عليه الدين، فرجع إلى السلطان فأعلمه بذلك، فقال له: اسألهم كم مبلغ الدين؟ فسألهم، فقالوا له خمسة وخمسون ألف