رحلة ابن بطوطة في الدّراسات الاستشراقية نال المغرب نصيبا وافرا في الدّراسات الاستشراقية، ليس فقط لأنه غني بما يزخر به من تراث حضاريّ هائل، وليس فقط لأنّه البلد الوحيد الذي ظل يتمتّع بكيانه كدولة طوال عصور متتابعة، ولكن لأنّ مركزه الجغرافيّ ووضعه بين الأمم الأخرى جعل منه بلدا إفريقيّا وبلدا عربيا وبلدا مسلما، وبلدا له حضور قويّ في القارة الأوربية «١» .
ومن ثمّت كان محلّ اهتمام من لدن الذين تشغلهم إفريقيا، وممن يهتمّون بالعالم العربي والعالم الإسلامي، وأخيرا من الذين يولون عنايتهم للعلاقات التي شدّت أوربّا بعالم المشرق والمغرب.
وهكذا فنحن أمام اهتمام متنوّع يتناول سائر الفضاءات التي ربّما لا يخطر بعضها على البال.
لقد وجد المستشرقون في كلّ ذلك التّراث مجالا واسعا لنشاطهم لأنّه من جهة يساعدهم على فهم الجهات الأخرى، ولأنه من جهة ثانية يعطي صورة دقيقة عن نمط خاصّ يتميز عن الأنماط التي عرفوها في بعض الأنحاء ...
وسينصبّ حديثنا هنا على موقف المستشرقين من رحلة ابن بطوطة إن في حديثها عن القارة الإفريقية أو الأسيوية أو الأوربية ...
لقد كانت أصداء وجود رحلة ما لابن بطوطة تجاوزت بلاد المغرب عند ما روّج أخبارها ابن خلدون في مقدمته والتمجروتي في رحلته وكذلك المقرّي في كتابه نفح الطيب، هذا إلى أصداء الرسالة الهامة التي وقفنا عليها ضمن الوثائق التي كان يتوفر عليها الدبلوماسي النمساوي المستعرب ضومباي (DOMBAY) على ما عرفنا في فصل (مخطوطات الرحلة) ...
وهكذا فبعد كلّ تلك الأصداء والأخبار مما عرفنا ومما لم نعرف، أخذ المستشرقون يبحثون عن نسخها الأصلية، ولكنهم لم يجدوا إلّا مختصرا اكتشفه المستشرق العالم