يستطيع من فيه النزول إلينا، ولم يكن بقي معي إلا بساط أفترشه، وأصبح الجنك والككم يوم السبت على بعد من المرسى، ورمى البحر بالجنك الذي كان أهله يريدون فندرينا فتكسر، ومات بعض أهله وسلم بعضهم.
وكانت فيه جارية لبعض التجار عزيزة عليه فرغب في إعطاء عشرة دنانير ذهبا لمن يخرجها وكانت قد التزمت خشبة في مؤخر الجنك فانتدب لذلك بعض البحرية الهرمزيين فأخرجها، وأبى أن يأخذ الدنانير، وقال: إنما فعلت ذلك لله تعالى، ولما كان الليل رمى البحر بالجنك الذي كانت فيه الهدية فمات جميع من فيه! ونظرنا عند الصباح إلى مصارعهم، ورأيت ظهير الدين قد انشق رأسه وتناثر دماغه، والملك سنبل قد ضربه مسمار في أحد صدغيه ونفذ من الآخر، وصلينا عليهما ودفنّاهما!!! ورأيت «١٢٧» الكافر سلطان قالقوط، وفي وسطه شقة بيضاء كبيرة قد لفّها من سرّته إلى ركبته، وفي رأسه عمامة صغيرة وهو حافي القدمين، والشطر بيد غلام فوق رأسه، والنار توقد بين يديه في الساحل، وزبانيته يضربون الناس لئلا ينتهبوا ما يرمي البحر.
وعادة بلاد المليبار أن كل ما انكسر من مركب يرجع ما يخرج منه للمخزن إلا في هذا البلد خاصة فان ذلك يأخذه أربابه ولذلك عمرت وكثر تردد الناس اليها «١٢٨» . ولما رأى أهل الككم ما حدث على الجنك رفعوا قلعهم وذهبوا ومعهم جميع متاعي وغلماني وجواري، وبقيت منفردا على الساحل ليس معي إلا فتى كنت اعتقته، فلما رأى ما حلّ بي ذهب عني! ولم يبق عندي إلا العشرة الدنانير التي أعطانيها الجوكي، والبساط الذي كنت أفترشه، وأخبرني الناس أن ذلك الككم لا بد له أن يدخل مرسى كولم فعزمت على السفر إليها وبينهما مسيرة عشر في البر أو في النهر أيضا لمن أراد ذلك، فسافرت في النهر واكتريت رجلا من المسلمين يحمل لي البساط.
وعادتهم اذا سافروا في ذلك النهر أن ينزلوا بالعشى فيبيتوا بالقرى التي على حافتيه، ثم يعودوا إلى المركب بالغدو فكنا نفعل ذلك، ولم يكن بالمركب مسلم الا الذي اكتريته، وكان يشرب الخمر عند الكفار إذا نزلنا ويعربد عليّ فيزيد تغيّر خاطري! ووصلنا