السلام يسمّونه: بابا، ويسمون حواء ماما «٢٤٥» ، فقال: هذا هيّن! نبعث معك من يوصلك، فقلت: ذلك أريد، ثم قلت له: وهذا المركب الذي جئت فيه يسافر آمنا إلى المعبر وإذا عدت أنا بعثتني في مراكبك، فقال: نعم.
فلما ذكرت ذلك لصاحب المركب قال لي: لا أسافر حتى تعود ولو أقمت سنة بسببك، فأخبرت السلطان بذلك، فقال: يقيم في ضيافتي حتى تعود، فأعطاني دولة يحملها عبيده على أعناقهم، وبعث معي أربعة من الجوكية الذين عادتهم السفر كلّ عام إلى زيارة القدم، وثلاثة من البراهمة، وعشرة من سائر أصحابه وخمسة عشر رجلا يحملون الزاد، وأما الماء فهو بتلك الطريق كثير.
ونزلنا ذلك اليوم على واد جزناه في معدية مصنوعة من قصب الخيزران، ثم رحلنا من هنالك إلى منار مندلي، وضبط ذلك بفتح الميم والنون وألف وراء مسكّنة وميم مفتوح ونون مسكن ودال مفتوح ولام مكسور وياء، مدينة حسنة هي آخر عمالة السلطان «٢٤٦» ، أضافنا أهلها ضيافة حسنة، وضيافتهم عجول الجواميس يصطادونها بغابة هنالك يأتون بها أحياء ويأتون بالارز والسمن والحوت والدجاج واللبن.
ولم نر بهذه المدينة مسلما غير رجل خراساني انقطع بسبب مرضه فسافر معنا، ورحلنا إلى بندر سلاوات «٢٤٧» ، وضبطه بفتح الباء الموحدة وسكون النون وفتح الدال المهمل وسكون الراء وفتح السين المهمل واللام والواو، والف وتاء معلوة، بلدة صغيرة، وسافرنا منها في أوعار كثيرة المياه، وبها الفيلة الكثيرة إلا أنها لا تؤذي الزوار والغرباء وذلك ببركة الشيخ أبي عبد الله بن خفيف، رحمه الله، وهو أول من فتح هذا الطريق إلى زيارة القدم، وكان هؤلاء الكفار يمنعون المسلمين من ذلك ويؤذونهم ولا يؤاكلونهم ولا يبايعونهم، فلما اتفق للشيخ أبي عبد الله ما ذكرناه في السّفر الأول «٢٤٨» من قتل الفيلة لأصحابه وسلامته من بينهم وحمل الفيل له على ظهره، صار الكفار من ذلك العهد يعظمون المسلمين ويدخلونهم دورهم ويطعمون معهم، ويطمئنون لهم بأهلهم وأولادهم، وهم إلى الآن يعظمون الشيخ المذكور أشدّ تعظيم ويسمونه الشيخ الكبير.