للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

صحيحًا فلا يَضُرُّ ذلك سيبويه لأنّ القياس يَتْضُدُه.

وقَدْ ألْفَيْتُ في بعضِ ما رأيتُ، لزيد الخيلِ بن مهلهل الطائي بَيتًا في تَعَدِّي فَعِلٍ، وهو قوله (٢٥٠):

أَتَاني أَنَّهم مَزِقونَ عِرْضِي … جِحاشَ الكِرْمِلَيْنِ لَها فَدِيدُ

فقال: مَزِقوَن عِرْضي كما تَرَى، وأجراه مُجرى مُمَزقينَ، وهذا لا يحتملُ غيرَ هذا التأويلِ، فقد ثَبَتَ صِحَّةُ القِياسِ بهذا الشاهِد القاطع.

وأنشد في البابِ لرؤبَةَ (٢٥١) في مِثلِ ما تَقَدَّمَ:

[٨٩] برأسِ دَمّاغٍ رُوُسَ العِزِّ

الشاهِدُ فيه نَصْبُ رُؤُوسِ العزِّ بـ (دَمّاغٍ)، لأنّه تكثيرُ دامغٍ وهو الذي يَبْلُغُ بالشَجَّةِ إلى الدِماغِ، وأرادَ رُؤوسَ أهلِ العزِّ فحَذَفَ كما قال جَلَّ وعَزّ: "وسْئَلِ القَرْيَةَ" (٢٥٢).

وأنشد في الباب لساعدةَ بن جُؤيَّة (٢٥٣):

[٩٠] حَتَّى شَآها كَلِيلٌ مَوْهِنًا عَمِلٌ … باتَتْ طِرابًا وباتَ الليلَ لم يَنَمٍ

الشاهدُ في نَصْبِ مَوْهِن (٢٥٤) بـ (كَليلٍ)، لأنَّه بمعنى مُكِلٍّ مُغَيَّرٌ منه لمعنى التكثير.

وقد رُدَّ (٢٥٥) هذا التأويلُ على سيبويه لِما قَدَّمْنا من أَنَّ فَعِيلًا وفَعِلًا بِناءان لِما لا يتعدّى في الأصلِ، وجَعَل الرادُّ نَصْبَ مَوْهنٍ على الظَرفِ، والمعنى عنده إنّ البَرقَ ضَعيفُ الهُبوبِ كَلِيل في نفسه.

وهذا الردُّ غيرُ صحيحٍ، لأنّه لو كانَ كليلًا لم يَقُل: عمِلٌ وهو الكثيرُ العَمَلِ، ولا


(٢٥٠) البيت لزيد الخيل في ديوانه ٤٢، المقاصد النحوية ٣/ ٥٤٥، شرح التصريح ٢/ ٦٨، الخزانة ٣/ ٤٥٦.
(٢٥١) الكتاب ١/ ٥٨، ديوانه ٦٤.
(٢٥٢) يوسف: ٨٢.
(٢٥٣) الكتاب ١/ ٥٨، ديوان الهذليين ١/ ١٩٨.
(٢٥٤) في ط: المَوْهِن.
(٢٥٥) رَدّ ذلك المبرّد، ينظر: الانتصار ١٩ - ٢٠، شرح جُمل الزجاجي ١/ ٥٦٣ - ٥٦٤.

<<  <   >  >>