للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فانْظُر.

و [الْوَجْهُ] الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قَالَ: الْهَالِكُ أَنْت، وَقَدْ بَيَّنَ سيبويه (٢٩٢) الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَة.

وَيَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ (أَنْتَ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ (فانْظُر) كَمَا هُوَ، لِأَنَّ مَعْنَى أَنْتَ فَانْظُرْ وَأَنْت انْظُرْ سَوَاءٌ، وَالْفَاءُ زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَعْنَى تَعَلُّقِ الْأَمْرِ بِأَوَّل الْكَلَامِ كَمَا بَيَّنْتُ فِي قَوْلِهِ: خَوْلانُ فَانْكِحْ فَتَاتَهمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَرْوَاحٌ أَنْتَ عَلَى مَعْنَى أذ رَوَاحٍ أَنْت.

وَصْفَ أَنَّ الْمَوْتَ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَفْجَأ رَواحًا فَجِيءَ بُكُورًا وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى الْهَلَاكِ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْن، وَلَمْ يُرِدْ الْوَقْتَيْن خَاصّةً وَإِنّمَا يُريدُ فِي لَيْلٍ أَو نَهَارٍ.

وَجَعَل التَّوْدِيعَ لِلرَّوَاحِ اتِّسَاعًا <وَمَجَازًا>، وَالْمَعْنَى أَأَنْت ذُو رَوْاحٍ تُرَدِّعُ فِيهِ أَمْ ذُو بُكُورٍ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ ﷿: "وَالنَّهَار مُبْصِرا" (٢٩٢ أ)، أَي: يُبْصَرُ فِيه، وَإِذَا وُدِّعَ فِيهِ فَهُوَ ذُو تَوديعٍ فَجَرَى عَلَى لَفْظِ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ.

وأنشد فِي الْبَابِ لِأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيّ (٢٩٣):

[١٠٤] أَمِيرانِ كَانَا آخَيَاني كِلاهُما … فكُلًّا جَزَاهُ اللَّهُ عَنِّي بِمَا فَعَلْ

الشاهِدُ فِي نَصْبِ (كُلٍّ) بِإِضْمَارِ فِعْلٍ فَسَّرَهُ مَا بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَصْفٌ رَجُلَيْنِ مِنْ أُمَرَاءِ قُريش آخَيَاه وَأَحْسَنا إلَيْهِ فَدَعَا لَهُمَا بِحُسْنِ الْجَزَاءِ.

وأنشد فِي بَابِ تَرْجَمَتُه: هَذَا بَابٌ حُروفٍ أُجْرِيَتْ مُجْرى حُرُوفِ الاسْتِفْهامِ، لهُدْبَةَ بْنُ خَشْرَم العُذري (٢٩٤):

[١٠٥] فَلَا ذَا جَلَالٍ هِبْنَهُ لجَلالِهِ … وَلَا ذَا ضَيَاعٍ هُنَّ يَتْرُكنَ للفَقْرِ


(٢٩٢) الكتاب ١/ ٧٠ - ٧١.
(٢٩٢ أ) يونس: ٦٧، النمل: ٨٦.
(٢٩٣) الكتاب ١/ ٧١، ديوانه: ٤٦، وفيه: بما عَمِلْ.
(٢٩٤) الكتاب ١/ ٧٢، شعره: ٩٧، وهُدْبَةُ شاعرٌ فَصيحُ متقدّم من بادية الحجاز، وكانَ راوية للحُطيأة. (الشعر والشعراء: ٦٩١، الأغاني ٢١/ ٢٧٧، الخزانة ٤/ ٨٤).

<<  <   >  >>